للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَرْكُ التَّكَسُّبِ فِي رَمَضَانَ لِلتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ:

١٥ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الاِكْتِسَابَ فَرْضٌ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ بِقَدْرِ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَل: الاِشْتِغَال بِالْكَسْبِ أَفْضَل، أَمِ التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ؟ .

فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّ الاِشْتِغَال بِالْكَسْبِ أَفْضَل؛ لأَِنَّ مَنْفَعَةَ الاِكْتِسَابِ أَعَمُّ، فَمَنِ اشْتَغَل بِالزِّرَاعَةِ - مَثَلاً - عَمَّ نَفْعُ عَمَلِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنِ اشْتَغَل بِالْعِبَادَةِ نَفَعَ نَفْسَهُ فَقَطْ.

وَبِالْكَسْبِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الأَْرْحَامِ وَالإِْحْسَانِ إِلَى الأَْقَارِبِ وَالأَْجَانِبِ، وَفِي التَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ لاَ يَتَمَكَّنُ إِلاَّ مِنْ أَدَاءِ بَعْضِ الأَْنْوَاعِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ.

وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الاِشْتِغَال بِالْعِبَادَةِ أَفْضَل احْتَجَّ بِأَنَّ الأَْنْبِيَاءَ وَالرُّسُل عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ فِي عَامَّةِ الأَْوْقَاتِ، وَكَانَ اشْتِغَالُهُمْ بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرُ، فَيَدُل هَذَا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الاِشْتِغَال بِالْعِبَادَةِ؛ لأَِنَّهُمْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا يَخْتَارُونَ لأَِنْفُسِهِمْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ.

وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَلَكَ مَا يَكْفِي حَاجَتَهُ فِي رَمَضَانَ كَانَ الأَْفْضَل فِي حَقِّهِ التَّفَرُّغَ لِلْعِبَادَةِ طَلَبًا لِلْفَضْل فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَإِلاَّ كَانَ الأَْفْضَل فِي حَقِّهِ التَّكَسُّبَ حَتَّى لاَ يَتْرُكَ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيل مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ.