للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلأَِنَّ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ وَعِيدًا مُحْكَمًا، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَال يَرْتَفِعُ الإِْثْمُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ وُجُودِ التَّشْدِيدِ فِي الْوَعِيدِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ لاَ شُبْهَةَ فِيهِ، وَمَنِ ادَّعَى غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا مِنْهُ بِلاَ دَلِيلٍ، وَلأَِنَّ الْكَفَّارَةَ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ فَلاَ يَجُوزُ إِثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلأَِنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} هُوَ كُل مُوجِبِهِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ الْجَزَاءِ لِلشَّرْطِ، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخًا، وَلاَ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ (٢) .

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الأَْسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً، يَعْتِقِ اللَّهُ بِكُل عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ (٣) ، فَقَدْ أَوْجَبَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَفَّارَةَ فِيمَا يَسْتَوْجِبُ النَّارَ، وَلاَ تُسْتَوْجَبُ النَّارُ إِلاَّ فِي قَتْل الْعَمْدِ (٤) ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ


(١) تبيين الحقائق ٦ / ٩٩، ١٠٠، والجامع لأحكام القرآن ٥ / ٣٣١.
(٢) روضة الطالبين للنووي ٩ / ٣٨٠، والمغني ٨ / ٩٦.
(٣) حديث واثلة بن الأسقع: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. . . " أخرجه ابن حبان (الإحسان ١٠ / ١٤٥ - ١٤٦) والحاكم (٢ / ٢١٢) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٤) مغني المحتاج ٤ / ١٠٧.