للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (١) ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَشْمَل كُل أَنْوَاعِ الضَّرَرِ لأَِنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، وَفِيهِ حَذْفٌ، أَصْلُهُ لاَ لُحُوقَ أَوْ إِلْحَاقَ، أَوْ لاَ فِعْل ضَرَرٍ أَوْ ضِرَارٍ بِأَحَدٍ فِي دِينِنَا، أَيْ: لاَ يَجُوزُ شَرْعًا إِلاَّ لِمُوجِبٍ خَاصٍّ (٢) .

أَمَّا إِدْخَال الضَّرَرِ عَلَى أَحَدٍ يَسْتَحِقُّهُ لِكَوْنِهِ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فَيُعَاقَبُ بِقَدْرِ جَرِيمَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فَيَطْلُبُ الْمَظْلُومُ مُقَابَلَتَهُ بِالْعَدْل، فَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ بِالْحَدِيثِ قَطْعًا (٣) .

كَمَا أَنَّ الضَّرَرَ يُبَاحُ اسْتِثْنَاءً فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى، ضَبَطَتْهَا بَعْضُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَمْثَال قَاعِدَةِ " الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ "، وَقَاعِدَةِ " الضَّرَرُ الأَْشَدُّ يُزَال بِالضَّرَرِ الأَْخَفِّ " وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يَأْتِي ذِكْرُهَا.

الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ الضَّابِطَةُ لأَِحْكَامِ الضَّرَرِ:

٥ - لَقَدْ عَنَى الْفُقَهَاءُ كَثِيرًا بِدِرَاسَةِ مَوْضُوعِ الضَّرَرِ وَمُعَالَجَةِ آثَارِهِ، وَذَلِكَ لِمَا لَهُ مِنْ أَهَمِّيَّةٍ بَالِغَةٍ فِي اسْتِقْرَارِ الْعَلاَقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ،


(١) حديث: " لا ضرر ولا ضرار ". أخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٧٤٥) من حديث يحيى المازني مرسلا، ولكن له شواهد موصولة يتقوى بها، ذكرها ابن رجب في جامع العلوم والحكم. (ص ٢٨٦ - ٢٨٧) وحسنه النووي
(٢) فيض القدير ٦ / ٤٣١.
(٣) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ص ٢٨٨.