للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ب - النَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَالْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ:

٢١ - وَهُوَ أَنْ يُنْذِرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ غَيْرِ مُتَتَابِعَةٍ، فَإِنْ نَوَى أَيَّامًا غَيْرَ مُتَتَابِعَةٍ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ مُتَتَابِعَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ إِيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَتَابِعًا إِذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا لَزِمَهُ الاِسْتِقْبَال، كَصَوْمِ الظِّهَارِ وَالْقَتْل. وَالإِْطْلاَقُ فِي الاِعْتِكَافِ كَالتَّصْرِيحِ بِالتَّتَابُعِ، بِخِلاَفِ الإِْطْلاَقِ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الاِعْتِكَافَ يَدُومُ بِاللَّيْل وَالنَّهَارِ، فَكَانَ مُتَّصِل الأَْجْزَاءِ، وَمَا كَانَ مُتَّصِل الأَْجْزَاءِ لاَ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ إِلاَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لاَ يُوجَدُ لَيْلاً، فَكَانَ مُتَفَرِّقًا، وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي نَفْسِهِ لاَ يَجِبُ الْوَصْل فِيهِ إِلاَّ بِالتَّنْصِيصِ. وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا نَذَرَهَا مُتَفَرِّقَةً فَتَجِبُ مُتَفَرِّقَةً، وَلاَ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ عِنْدَهُمْ لاَ يَلْزَمُ فِيهِ التَّتَابُعُ، فَيَجُوزُ أَدَاؤُهُ مُفَرَّقًا (١) .

وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ خِلاَل أَيَّامِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، إِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْعَوْدِ احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْنَافِ نِيَّةِ الاِعْتِكَافِ، سَوَاءٌ أَخَرَجَ لِتَبَرُّزٍ أَمْ لِغَيْرِهِ، لأَِنَّ مَا مَضَى عِبَادَةٌ تَامَّةٌ، وَهُوَ يُرِيدُ اعْتِكَافًا جَدِيدًا، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (٢) .


(١) كشاف القناع ٢ / ٣٤٩، وبلغة السالك ١ / ٥٤٢، ومغني المحتاج ١ / ٤٥٣، وابن عابدين ٢ / ١٣١، والفتاوى الهندية ١ / ٢١٤، ومغني المحتاج ١ / ٤٥٤، وحاشية العدوي مع شرح أبي الحسن ١ / ٤٠٩، وابن عابدين ٢ / ١٣٣، ط بولاق، والبحر الرائق ٢ / ٣٢٩ ط العلمية.
(٢) مغني المحتاج ١ / ٤٥٣ - ٤٥٤، والمقنع ١ / ٢٨٢، وكشاف القناع ٢ / ٣٥٥.