للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَسْتَعْمِل الأُْصُولِيُّونَ لَفْظَ الإِْخَالَةِ فِي بَابِ الْقِيَاسِ وَبَابِ الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ. وَالإِْخَالَةُ كَوْنُ الْوَصْفِ بِحَيْثُ تَتَعَيَّنُ عِلِّيَّتُهُ لِلْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ إِبْدَاءِ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ، لاَ بِنَصٍّ وَلاَ غَيْرِهِ (١) . وَإِنَّمَا قِيل لَهُ مُخَيِّلٌ لأَِنَّهُ يُوقِعُ فِي النَّفْسِ خَيَال الْعِلَّةِ.

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ، وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

٢ - يَكُونُ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا فِيمَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُول فَتَلَقَّتْهُ بِالْقَبُول، وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يُفْضِي إِلَى مَا يَجْلُبُ لِلإِْنْسَانِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا، كَقَتْل مُسْلِمٍ تَتَرَّسَ بِهِ الْكُفَّارُ فِي حَرْبِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةَ قَهْرِ الْعَدُوِّ، وَمَنْعَ قَتْلِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَالْوَصْفُ الطَّرْدِيُّ لَيْسَ مُخَيِّلاً، كَلَوْنِ الْخَمْرِ وَقِوَامِهَا، فَلاَ يَقَعُ فِي الْقَلْبِ عِلِّيَّتُهُ لِلتَّحْرِيمِ، لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ ضَرَرًا يَسْتَدْعِي تَحْرِيمَهَا. وَأَمَّا الإِْسْكَارُ فِي الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ مَعَ تَضَمُّنِهِ مَفْسَدَةَ تَغْطِيَةِ الْعَقْل، لَيْسَ وَصْفًا مُخَيِّلاً كَذَلِكَ، لِوُرُودِ النَّصِّ بِالتَّعْلِيل بِهِ. وَالنَّصُّ هُوَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ (٢) . وَلَوِ افْتَرَضَ عَدَمَ وُرُودِ هَذَا النَّصِّ وَأَمْثَالِهِ لَكَانَ وَصْفُ الإِْسْكَارِ مُخَيِّلاً (٣) . وَمِنْ هَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَعَمُّ مِنَ الْمُخَيِّل.

وَفِي جَوَازِ تَعْلِيل حُكْمِ الأَْصْل بِالْوَصْفِ الْمُخَيِّل لأَِجْل الْقِيَاسِ، خِلاَفٌ. وَكَذَلِكَ فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمِ


(١) كشاف اصطلاحات الفنون ٦ / ١٣٦٩
(٢) : " كل مسكر حرام " متفق عليه " واللفظ لمسلم. (مسلم ٣ / ١٥٨٣، وفتح الباري ٣ / ٤١)
(٣) التلويح على التوضيح ٢ / ٧١، ط صبيح، وانظر أيضا شرح مسلم الثبوت ٢ / ٣٠٠، وجمع الجوامع بشرح المحلى ٢ / ٢٨٤ ط م الحلبي.