للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا حَدَثَ، وَعَدَمُ إِنْكَارِهِ يَدُل عَلَى أَنَّ الاِسْتِئْسَارَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُرَخَّصٌ فِيهِ، وَقَال الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُسْتَأْسَرُ الرَّجُل إِذَا خَافَ أَنْ يُغْلَبَ. (١) وَإِلَى هَذَا اتَّجَهَ كُلٌّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

٥٥ - وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى شُرُوطٍ يَلْزَمُ تَوَافُرُهَا لِجَوَازِ الاِسْتِئْسَارِ هِيَ: أَنْ يَخَافَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الاِسْتِسْلاَمِ قَتْلُهُ فِي الْحَال، وَأَلاَّ يَكُونَ الْمُسْتَسْلِمُ إِمَامًا، أَوْ عِنْدَهُ مِنَ الشَّجَاعَةِ مَا يُمْكِنُهُ مِنَ الصُّمُودِ، وَأَنْ تَأْمَنَ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا الْفَاحِشَةَ.

وَالأَْوْلَى - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ - إِذَا مَا خَشِيَ الْمُسْلِمُ الْوُقُوعَ فِي الأَْسْرِ أَنْ يُقَاتِل حَتَّى يُقْتَل، وَلاَ يُسْلِمَ نَفْسَهُ لِلأَْسْرِ، لأَِنَّهُ يَفُوزُ بِثَوَابِ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَيَسْلَمُ مِنْ تَحَكُّمِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ بِالتَّعْذِيبِ وَالاِسْتِخْدَامِ وَالْفِتْنَةِ، وَإِنْ اسْتَأْسَرَ جَازَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. (٢)

ب - اسْتِنْقَاذُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَمُفَادَاتُهُمْ:

٥٦ - إِذَا وَقَعَ الْمُسْلِمُ أَسِيرًا فَهُوَ حُرٌّ عَلَى حَالِهِ، وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، يَلْزَمُهُمُ الْعَمَل عَلَى خَلاَصِهِ، وَلَوْ بِتَيْسِيرِ سُبُل الْفِرَارِ لَهُ، وَالتَّفَاوُضِ مِنْ أَجْل إِطْلاَقِ سَرَاحِهِ، فَإِذَا لَمْ يُطْلِقُوا سَرَاحَهُ تَرَبَّصُوا لِذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ الرَّسُول صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يَتَحَيَّنُ الْفُرْصَةَ الْمُنَاسِبَةَ لِتَخْلِيصِ الأَْسْرَى. رَوَتْ كُتُبُ السِّيرَةِ أَنَّ قُرَيْشًا أَسَرَتْ نَفَرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ،


(١) العيني على صحيح البخاري ١٤ / ٢٩٤.
(٢) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل ٣ / ٣٥٧، وفتح الوهاب ٢ / ١٧١، والمغني مع الشرح الكبير ١٠ / ٥٥٣، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٣٠، والدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين ٣ / ٢٢٢.