للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٨ - وَقَدْ ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلاَفِ اخْتِلاَفُ الرُّوَاةِ فِي إِحْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَِنَّهُ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ (١) ، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَرَنَ (٢) ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَمَتَّعَ (٣) ، ثُمَّ قَال: إِنَّ الصَّوَابَ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَل عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، وَخُصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ.

وَبِهَذَا يَسْهُل الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الإِْفْرَادِ أَوَّل الإِْحْرَامِ، وَرُوَاةُ الْقِرَانِ آخِرُهُ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الاِنْتِفَاعُ، وَقَدِ انْتَفَعَ بِالاِكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّتُهُ مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَمْ يَقُل أَحَدٌ إِنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَل مِنَ الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَجَّتِهِ (٤) .

حَالَةُ وُجُوبِ الإِْفْرَادِ (وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ) :

٩ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَكِّيِّ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ هَل لَهُ تَمَتُّعٌ وَقِرَانٌ، أَمْ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ الإِْفْرَادُ خَاصَّةً؟

فَيَرَى الْجُمْهُورُ أَنَّ لأَِهْل مَكَّةَ الْمُتْعَةَ وَالْقِرَانَ مِثْل الآْفَاقِيِّ، وَلأَِنَّ التَّمَتُّعَ الَّذِي وَرَدَ فِي الآْيَةِ أَحَدُ الأَْنْسَاكِ الثَّلاَثَةِ، فَصَحَّ مِنَ الْمَكِّيِّ كَالنُّسُكَيْنِ الآْخَرَيْنِ، وَلأَِنَّ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ هُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ


(١) حديث جابر وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم سبق تخريجه (ف / ٧) .
(٢) حديث أنس رضي الله عنه سبق تخريجه (ف / ٧) .
(٣) حديث ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه البخاري بلفظ " تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة ". (فتح الباري ٣ / ٥٣٩ ط السلفية) .
(٤) نهاية المحتاج ٣ / ٣١٤.