للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ: التَّمْيِيزُ:

١٨ - التَّمْيِيزُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ: مِزْتُهُ مَيْزًا، مِنْ بَابِ بَاعَ، وَهُوَ: عَزْل الشَّيْءِ وَفَصْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ.

وَيَكُونُ فِي الْمُشْتَبِهَاتِ وَالْمُخْتَلِطَاتِ، وَمَعْنَى تَمَيُّزِ الشَّيْءِ: انْفِصَالُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: سِنُّ التَّمْيِيزِ، وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ: تِلْكَ السِّنُّ الَّتِي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهَا عَرَفَ مَضَارَّهُ وَمَنَافِعَهُ، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَيَّزْتُ الأَْشْيَاءَ: إِذَا فَرَّقْتُهَا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ: التَّمْيِيزُ قُوَّةٌ فِي الدِّمَاغِ يُسْتَنْبَطُ بِهَا الْمَعَانِيَ.

وَهَذِهِ الْمَرْحَلَةُ تَبْدَأُ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ سَبْعَ سِنِينَ، وَهُوَ سِنُّ التَّمْيِيزِ كَمَا حَدَّدَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَتَنْتَهِي بِالْبُلُوغِ، فَتَشْمَل الْمُرَاهِقَ وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ. (١)

فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ يُصْبِحُ عِنْدَ الصَّبِيِّ مِقْدَارٌ مِنَ الإِْدْرَاكِ وَالْوَعْيِ يَسْمَحُ لَهُ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ الْقَاصِرَةِ؛ لأَِنَّ نُمُوَّهُ الْبَدَنِيَّ وَالْعَقْلِيَّ لَمْ يَكْتَمِلاَ بَعْدُ، وَبَعْدَ اكْتِمَالِهِمَا تَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ الْكَامِلَةِ؛ لأَِنَّ أَهْلِيَّةَ الأَْدَاءِ الْكَامِلَةِ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ بِاكْتِمَال النُّمُوِّ الْبَدَنِيِّ وَالنُّمُوِّ الْعَقْلِيِّ، فَمَنْ لَمْ يَكْتَمِل نُمُوُّهُ الْبَدَنِيُّ وَالْعَقْلِيُّ مَعًا، أَوْ لَمْ يَكْتَمِل فِيهِ نُمُوُّ أَحَدِهِمَا فَأَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ فِيهِ تَكُونُ قَاصِرَةً.

فَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ؛ لِعَدَمِ اكْتِمَال الْعَقْل فِيهِ، وَإِنْ كَانَ كَامِلاً مِنَ النَّاحِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ، بِخِلاَفِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ كَامِلَةً مُنْذُ الْوِلاَدَةِ، فَالطِّفْل


(١) المصباح المنير مادة: " ميز "، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٤٢١ ط بولاق، وجواهر الإكليل ١ / ٢٢ ط دار المعرفة.