للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَيُؤْجِرُ فِي كُل شَيْءٍ، حَتَّى اللُّقْمَةُ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إِلَى فِيهِ (١) فَإِنْ تَرَكَ الأَْكْل وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدْ عَصَى، لأَِنَّ فِيهِ إِلْقَاءَ النَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيل بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (٢) وَالْقَدْرُ الْوَاجِبُ هُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ الإِْنْسَانُ الْهَلاَكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمُبَاحُ إِلَى الشِّبَعِ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَحَرَامٌ.

وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَافَ الْمَوْتَ جُوعًا، وَمَعَ غَيْرِهِ طَعَامٌ زَائِدٌ عَنْ حَاجَتِهِ، أَخَذَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ، وَكَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ، فَإِنْ مَنَعَهُ أَخَذَهُ رَغْمًا عَنْهُ، فَإِنْ قَاتَلَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ فَلَهُ مُقَاتَلَتُهُ.

لَكِنْ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يُعْذِرَ إِلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ، فَيَقُول لَهُ: إِنْ لَمْ تُعْطِنِي قَاتَلْتُكَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ وَقَتَلَهُ، فَدَمُ صَاحِبِ الطَّعَامِ هَدَرٌ فِي صَرِيحِ مَذَاهِبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَلَمْ يُصَرِّحِ الْحَنَفِيَّةُ بِحُكْمِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ قِتَال صَاحِبِ الطَّعَامِ أَنَّهُ إِنْ قَتَلَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. (٣)

مَنْ لَهُ حَقُّ الإِْعْذَارِ؟ وَبِمَ يَكُونُ؟ وَجَزَاءُ الْمُمْتَنِعِ؟

٢٦ - اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ الإِْعْذَارَ إِلَى


(١) حديث: " إن الله ليؤجر في كل شيء حتى اللقمة. . . ". أخرجه البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بلفظ " وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في فِي امرأتك " ومسلم بلفظ مقارب (فتح الباري ٣ / ١٦٤ ط السلفية، وصحيح مسلم ٣ / ١٢٥٠، ١٢٥١ ط عيسى الحلبي) .
(٢) سورة البقرة / ١٩٥.
(٣) ابن عابدين ٥ / ٢٩٦ وحاشية الدسوقي ٢ / ١١٥، وقليوبي وعميرة ٤ / ٢٦٣، والمغني ٨ / ٦٠٢، ٦٠٣، ونهاية المحتاج ٨ / ٢٦٧.