للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالُوا كَذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَكَانًا مُعَيَّنًا، فَلاَ يَتَعَيَّنُ هَذَا الْمَوْضِعُ بِتَعْيِينِ غَيْرِهِ (١) كَمَا أَنَّهُ لاَ مَزِيَّةَ لِبَعْضِ الْمَسَاجِدِ عَلَى بَعْضٍ بِاسْتِثْنَاءِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ السَّابِقَةِ، فَلاَ يَتَعَيَّنُ بَعْضُهَا بِالتَّعْيِينِ (٢) .

وَأَضَافُوا: إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّذْرِ هُوَ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يَدْخُل تَحْتَ النَّذْرِ إِلاَّ مَا كَانَ قُرْبَةً، وَعَيْنُ الْمَوْضِعِ الَّذِي تُؤَدَّى فِيهِ الْقُرْبَةُ لَيْسَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ، فَلاَ يَدْخُل فِي النَّذْرِ، وَلاَ يَتَقَيَّدُ بِهِ النَّذْرُ (٣) .

وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنَ الشَّرْعِ أَنَّ الْتِزَامَهُ مَا هُوَ قُرْبَةٌ مُوجِبٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنَ الشَّرْعِ اعْتِبَارُ تَخْصِيصِ الْعَبْدِ الْعِبَادَةَ بِمَكَانٍ، إِنَّمَا عُرْفُ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يَتَعَدَّى لُزُومُ أَصْل الْقُرْبَةِ بِالْتِزَامِهِ إِلَى لُزُومِ التَّخْصِيصِ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَكَانَ مُلْغًى، وَبَقِيَ النَّذْرُ لاَزِمًا بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ (٤) .

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، وَلاَ يُجْزِئُ النَّاذِرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا قَوْل زُفَرَ وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَرَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ


(١) المغني ٣ / ٢١٤، والكافي ١ / ٣٦٨، ٣٦٩.
(٢) المجموع ٦ / ٤٧٩.
(٣) بدائع الصنائع ٦ / ٢٨٨٩.
(٤) رد المحتار ٣ / ٧١، وفتح القدير ٤ / ٢٦.