للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثَانِيًا: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُضَافِ إِلَى سَبَبٍ:

٥ - إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى عَلَى مِلْكٍ مُسْتَنِدٍ إِلَى سَبَبٍ مِنَ الإِْرْثِ، أَوِ الشِّرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِمَا فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنِ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ بِاخْتِلاَفِ الصُّوَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:

أ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ إِذَا كَانَ قَابِلاً لِلتَّكْرَارِ، كَالشِّرَاءِ، وَنَسْجِ ثَوْبِ الْخَزِّ، وَزَرْعِ الْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. إِلاَّ إِذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ قَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إِنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ مَثَلاً. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل.

أَمَّا إِذَا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّكْرَارِ، كَالنِّتَاجِ، أَوْ نَسْجِ ثَوْبِ الْقُطْنِ مَثَلاً، فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل، لأَِنَّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَمْرٌ زَائِدٌ لاَ تَدُل عَلَيْهِ الْيَدُ فَتَعَارَضَتَا، فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ (١) . وَلِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ فِي دَابَّةٍ أَوْ بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَتَهُ بِأَنَّهَا لَهُ نُتِجَهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ (٢) .


(١) الاختيار ٢ / ١١٧، وحاشية ابن عابدين ٤ / ٢٣٧ وما بعدها، والفتاوى الهندية ٤ / ٧٣، ومجلة الأحكام العدلية م (١٧٥٨، ١٧٥٩) .
(٢) حديث جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان في دابة. . . " أخرجه البيهقي (١٠ / ٢٥٦ - ط دائرة المعارف العثمانية) . وضعفه ابن حجر في التلخيص (٤ / ٢١٠ - ط شركة الطباعة الفنية) .