للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَشَقَّةِ الَّتِي لاَ تُعَدُّ مَشَقَّةً عَادَةً، وَالَّتِي تُعَدُّ مَشَقَّةً، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْعَمَل يُؤَدِّي الدَّوَامُ عَلَيْهِ إِلَى الاِنْقِطَاعِ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ وَإِلَى وُقُوعِ خَلَلٍ فِي صَاحِبِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ، أَوْ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ فَالْمَشَقَّةُ هُنَا خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ فَلاَ يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ مَشَقَّةً وَإِنْ سُمِّيَتْ كُلْفَةً (١) .

فَمَا تَضَمَّنَ التَّكْلِيفَ الثَّابِتَ عَلَى الْعِبَادِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْمُعْتَادَةِ أَيْضًا لَيْسَ بِمَقْصُودِ الطَّلَبِ لِلشَّارِعِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِ الْمَشَقَّةِ، بَل مِنْ جِهَةِ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَائِدَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ (٢) .

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الزِّيَادَةُ فِي الْفِعْل عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ:

٩ - وَهُوَ إِذَا كَانَ الْفِعْل خَاصًّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَعَبِ النَّفْسِ خُرُوجٌ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الأَْعْمَال الْعَادِيَّةِ، وَلَكِنَّ نَفْسَ التَّكْلِيفِ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَاتُ قَبْل التَّكْلِيفِ شَاقٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَقْتَضِي مَعْنَى الْمَشَقَّةِ لأَِنَّ الْعَرَبَ تَقُول: كَلَّفْتُهُ تَكْلِيفًا إِذَا حَمَّلْتَهُ أَمْرًا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَمَرْتُهُ بِهِ، وَتَكَلَّفْتُ الشَّيْءَ: إِذَا تَحَمَّلْتَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ، وَحَمَلْتُ الشَّيْءَ تَكَلَّفْتُهُ: إِذَا لَمْ تُطِقْهُ إِلاَّ تَكَلُّفًا، فَمِثْل


(١) الموافقات ٢ / ١٢٣.
(٢) الموافقات ٢ / ١٢٣ - ١٢٤.