للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَوْتِ كَالصَّلاَةِ، وَهَذَا لأَِنَّ الْمَعْنَى فِي الْعِبَادَةِ كَوْنُهَا شَاقَّةً عَلَى بَدَنِهِ، وَلاَ يَحْصُل ذَلِكَ بِأَدَاءِ نَائِبِهِ عَنْهُ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُل يَوْمٍ مِسْكِينًا، لأَِنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِ، فَتَقُومُ الْفِدْيَةُ مَقَامَهُ، كَمَا فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي (١) وَقَالُوا كَذَلِكَ: إِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ، وَكُل مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ الاِخْتِيَارِ، وَذَلِكَ فِي الإِْيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ، لأَِنَّهَا جَبْرِيَّةٌ، ثُمَّ هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، لأَِنَّ الصَّوْمَ فِعْلٌ مُكَلَّفٌ بِهِ، وَقَدْ سَقَطَتِ الأَْفْعَال بِالْمَوْتِ، فَصَارَ الصَّوْمُ كَأَنَّهُ سَقَطَ فِي حَقِّ الدُّنْيَا، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِأَدَاءِ الْفِدْيَةِ تَبَرُّعًا (٢)

الْمَذْهَبُ الثَّانِي: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ مَنْذُورٌ، فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَصُومُهُ عَنْهُ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَطَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي مَذْهَبِهِ الْقَدِيمِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِصِحَّتِهِ، وَتَابَعَهُ فِي الْقَوْل بِصِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، إِلاَّ أَنَّ


(١) الْمَبْسُوطِ ٣ / ٨٩، وَالْفُرُوقِ ٣ / ١٨٧، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ ١ / ٤٣٩، وَالْمُغْنِي ٣ / ١٤٣، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ ٢ / ٣٣٤، وَالْمُنْتَقَى ٢ / ٦٣.
(٢) الْعِنَايَةُ ٢ / ٨٤.