للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلتَّبَرُّعِ عِنْدَ تَوَافُرِ مَا يَلِي: أ - الْعَقْل وَالْبُلُوغُ:

١٨ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْل، فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ عِبَارَتَهُمْ مُلْغَاةٌ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ.

وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ، فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا، إِذْ هِيَ تَبَرُّعٌ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَال التِّجَارَةِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَصِيَّةَ الْمُمَيِّزِ، لأَِنَّ " عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ صَبِيٍّ مِنْ غَسَّانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ أَوْصَى لأَِخْوَالِهِ " (١) ، وَلأَِنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي جَوَازِ وَصِيَّتِهِ، لأَِنَّ الْمَال سَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ وَصِيَّتِهِ، كَكُل مُوصٍ.

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُمَيِّزَ الَّذِي تَصِحُّ


(١) أَثَر عُمَر " أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّة صَبِيّ فِي غَسَّان " أَخْرَجَهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأِ (٢ / ٧٦٢ ط الْحَلَبِيّ) وَالْبَيْهَقِيّ (٦ / ٢٨٢ ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة) ، وَأَعُلْهُ بِالاِنْقِطَاعِ بَيْنَ عُمَر وَالرَّاوِي عَنْهُ.