للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْقَوْل. وَيَعْتَمِدُ هَؤُلاَءِ الْحُكَّامُ عَلَى آرَاءِ هَؤُلاَءِ الْمُدَّعِينَ. فَقَدْ رَأَيْنَا فِي عَصْرِنَا هَذَا مَنْ أَفْتَى بِحِل الرِّبَا الاِسْتِغْلاَلِيِّ دُونَ الاِسْتِهْلاَكِيِّ، بَل مِنْهُمْ مَنْ قَال بِحِلِّهِ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّ الْمَصْلَحَةَ - فِي زَعْمِهِ - تُوجِبُ الأَْخْذَ بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِجَوَازِ الإِْجْهَاضِ ابْتِغَاءَ تَحْدِيدِ النَّسْل، لأَِنَّ بَعْضَ الْحُكَّامِ يَرَى هَذَا الرَّأْيَ، وَيُسَمِّيهِ تَنْظِيمَ الأُْسْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْجَرِيمَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْحَدِّ، وَمِنْهُمْ. . . وَمِنْهُمْ. . . فَأَمْثَال هَؤُلاَءِ هُمْ الَّذِينَ حَمَلُوا أَهْل الْوَرَعِ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَوْل بِإِقْفَال بَابِ الاِجْتِهَادِ.

وَلَكِنَّا نَقُول: إِنَّ الْقَوْل بِحُرْمَةِ الاِجْتِهَادِ وَإِقْفَال بَابِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً لاَ يَتَّفِقُ مَعَ الشَّرِيعَةِ نَصًّا وَرُوحًا، وَإِنَّمَا الْقَوْلَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ إِبَاحَتُهُ، بَل وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُهُ. لأَِنَّ الأُْمَّةَ فِي حَاجَةٍ، إِلَى مَعْرِفَةِ الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا جَدَّ مِنْ أَحْدَاثٍ لَمْ تَقَعْ فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ.

مَصَادِرُ الاِجْتِهَادِ:

٣٩ - بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ عُلَمَاءَ الأُْمَّةِ جَمِيعًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ مَصْدَرَ الأَْحْكَامِ كُلِّهَا مِنْهُ تَعَالَى بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ.

وَالْوَحْيُ إِمَّا مَتْلُوٌّ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، أَوْ غَيْرُ مَتْلُوٍّ وَهُوَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الْمُطَهَّرَةُ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِفَتِهِ رَسُولاً، لاَ يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى.

وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَصَادِرَ الأَْحْكَامِ كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِصِفَةٍ مُبَاشِرَةٍ.

أَمَّا الإِْجْمَاعُ - إِذَا تَحَقَّقَ - فَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأَِنَّ الأُْمَّةَ لاَ تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلاَلَةٍ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ - عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهِ - فَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، وَهَذَا الظَّنُّ كَافٍ فِي الاِحْتِجَاجِ مَتَى تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِأَنَّ الْحَقَّ لاَ يَتَعَدَّدُ أَمْ قُلْنَا بِغَيْرِ ذَلِكَ.