للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَهَبَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْجَوَازِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ فَجُعِل مَا لَمْ يَظْهَرْ تَبَعًا لِمَا ظَهَرَ، كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ تَبَعٌ لِمَا بَدَا.

غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَصَرُوا الْجَوَازَ عَلَى الثِّمَارِ الْمُتَتَابِعَةِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بَيْعُ سَائِرِ الْبُطُونِ بِبُدُوِّ صَلاَحِ الأَْوَّل، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّانِي بِصَلاَحِ الأَْوَّل اتِّفَاقًا.

وَالْحَنَفِيَّةُ إِنَّمَا أَجَازُوا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. قَالُوا: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَخَّصَ فِي السَّلَمِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَعْدُومِ فَحَيْثُ تَحَقَّقَتِ الضَّرُورَةُ هُنَا أَيْضًا أَمْكَنَ إِلْحَاقُهُ بِالسَّلَمِ بِطَرِيقِ الدَّلاَلَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُصَادِمًا لِلنَّصِّ، فَلِذَا جَعَلُوهُ مِنْ الاِسْتِحْسَانِ، وَمَا ضَاقَ الأَْمْرُ إِلاَّ اتَّسَعَ، وَلاَ يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسَوِّغٌ لِلْعُدُول عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (١)

مِلْكِيَّةُ الثِّمَارِ عِنْدَ بَيْعِ الشَّجَرِ:

١٤ - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الثِّمَارِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الشَّجَرِ عِنْدَ بَيْعِهِ، هَل هِيَ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ لَهُ وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ (٢) وَلأَِنَّ هَذَا


(١) حاشية ابن عابدين ٤ / ٣٨، ٣٩، وحاشية الدسوقي ٣ / ١٧٧، ١٧٨، والقوانين الفقهية ٢٦٠، ومغني المحتاج ٢ / ٩٢، والمغني لابن قدامة ٤ / ١٠٣
(٢) حديث: " الثمرة للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ". أخرجه مسلم (٣ / ١١٧٣ - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر. بلفظ " من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع "