للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ب - الاِسْتِنَادُ إلَى الْقُبُورِ:

٨ - يُكْرَهُ الاِسْتِنَادُ إلَى الْقُبُورِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَقَدْ أَلْحَقُوا الاِسْتِنَادَ بِالْجُلُوسِ الَّذِي وَرَدَتِ الأَْحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ، وَالاِتِّكَاءُ عَلَيْهِ، وَالاِسْتِنَادُ إلَيْهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لأََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ (١) .

وَقَال الْخَطَّابِيُّ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً قَدِ اتَّكَأَ عَلَى قَبْرٍ فَقَال: لاَ تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ (٢) .

وَقَدْ قَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الْكَرَامَةَ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الاِسْتِنَادِ، وَبِكَوْنِ الاِسْتِنَادِ إلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ. وَقَوَاعِدُ غَيْرِهِمْ لاَ تَأْبَى هَذَا التَّقْيِيدَ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ كَرَاهَةَ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الاِسْتِنَادُ إلَيْهِ. قَال الدُّسُوقِيُّ: يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ حُرْمَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (٣) .


(١) حديث " لأن يجلس أحدكم على جمرة. . . " أخرجه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه مرفوعا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (نيل الأوطار ٤ / ١٣٥ ط الجيل ١٩٧٣ م) .
(٢) حديث: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " رأى رجلا اتكأ على قبر فقال: لا تؤذ صاحب القبر ". أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم مرفوعا بلفظ: " رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا على قبر فقال: لا تؤذ صاحب هذا القبر، أو لا تؤذوه " قال الحافظ في الفتح: إسناده صحيح. (نيل الأوطار ٤ / ١٣٥، ١٣٦ ط دار الجيل ١٩٧٣ م) .
(٣) ابن عابدين ١ / ٦٠٦، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٤٢٨، وشرح المنهاج ومعه حاشية القليوبي ١ / ٣٤٢، والمغني ٢ / ٥٠٨ ط ٣