للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ثَانِيًا)

الإِْنْمَاءُ (بِمَعْنَى تَغَيُّبِ الصَّيْدِ بَعْدَ رَمْيِهِ)

١٨ - التَّعْبِيرُ بِالإِْنْمَاءِ بِمَعْنَى رَمْيِ الصَّيْدِ حَتَّى غَابَ عَنِ الْعَيْنِ بَعْدَ رَمْيِهِ، وَرَدَ مَنْسُوبًا لاِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْفُقَهَاءَ لاَ يَسْتَعْمِلُونَ هَذَا اللَّفْظَ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى رَأْيِهِمْ بِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ، جَاءَ فِي بَدَائِعِ الصَّنَائِعِ: إِذَا رَمَى الصَّيْدَ وَتَوَارَى عَنْ عَيْنِهِ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ لَمْ يُؤْكَل، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَوَارَ أَوْ تَوَارَى لَكِنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَنِ الطَّلَبِ حَتَّى وَجَدَهُ يُؤْكَل اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لاَ يُؤْكَل، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِل عَنْ ذَلِكَ فَقَال: كُل مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ (١) .

قَال أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الإِْصْمَاءُ مَا عَايَنَهُ، وَالإِْنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْهُ. وَقَال هِشَامٌ: الإِْنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْ بَصَرِك، إِلاَّ أَنَّهُ أُقِيمَ الطَّلَبُ مَقَامَ الْبَصَرِ لِلضَّرُورَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ عِنْدَ عَدَمِ الطَّلَبِ (٢) .

وَفِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: إِذَا رَمَى الصَّيْدَ فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَسَهْمُهُ فِيهِ وَلاَ أَثَرَ بِهِ غَيْرَهُ حَل أَكْلُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَل كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا وَمَعَهُ كَلْبُهُ حَل، وَعَنْ أَحْمَدَ إِنْ غَابَ نَهَارًا فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ غَابَ لَيْلاً لَمْ يَأْكُلْهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ إِنْ غَابَ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ يُبَحْ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً أُبِيحَ؛ لأَِنَّهُ قِيل لَهُ: إِنْ غَابَ يَوْمًا؟ قَال: يَوْمٌ كَثِيرٌ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا رَمَيْتَ فَأَقْعَصْتَ فَكُل،


(١) الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه. سبق تخريجه (ف / ١) .
(٢) بدائع الصنائع ٥ / ٥٩.