للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَال الْغَزَالِيُّ: يَأْخُذُ بِقَوْل أَفْضَلِهِمْ عِنْدَهُ وَأَغْلَبِهِمْ صَوَابًا فِي قَلْبِهِ. (١)

وَقَدْ أَيَّدَ الشَّاطِبِيُّ الْقَوْل الثَّانِيَ مِنْ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ عَلَى التَّخْيِيرِ. قَال: لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي الْخِلاَفِ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُفْتِينَ مُتَّبِعٌ لِدَلِيلٍ عِنْدَهُ يَقْتَضِي ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ دَلِيل صَاحِبِهِ. فَهُمَا صَاحِبَا دَلِيلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ. فَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا بِالْهَوَى اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى. فَلَيْسَ إِلاَّ التَّرْجِيحُ بِالأَْعْلَمِيَّةِ وَنَحْوِهَا. فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ، أَوِ التَّوَقُّفُ، فَكَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. (٢)

مَا يَصْنَعُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي فِي الْمَسَائِل الْخِلاَفِيَّةِ:

٢٧ - يَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا. وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَحْكُمُ بِتَقْلِيدِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فَخَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، أَمْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ، وَسَوَاءٌ أَضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَمْ يَضِقْ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُفْتِي الْفُتْيَا بِالتَّقْلِيدِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ تَعَذَّرَ هَذَا الشَّرْطُ فَوَلَّى سُلْطَانٌ أَوْ مَنْ لَهُ شَوْكَةٌ مُقَلِّدًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ. (٣)

وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازُ كَوْنِ الْقَاضِي مُقَلِّدًا. (٤) وَالاِجْتِهَادُ عِنْدَ


(١) القسطاس المستقيم ص ٨٧ ط بيروت.
(٢) الموافقات ٤ / ١٣٣، ١٤٠ - ١٤٧
(٣) المغني ١١ / ٣٨٠ - ٣٨٤، ونهاية المحتاج ٨ / ٢٢٤ ط الحلبي ١٣٥٧ هـ
(٤) الشرح الصغير وحاشية الصاوي ط دار المعارف بمصر ٤ / ١٨٨ - ١٩٩