للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انْتَقَضَتْ هُدْنَتُهُمْ بِفِعْلِهِمْ وَلَمْ يُفْتَقَرْ إِلَى حُكْمِ الإِْمَامِ لِنَقْضِهَا، وَجَازَ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ وَيَشُنَّ عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ وَيَهْجُمَ عَلَيْهِمْ غِرَّةً وَبَيَاتًا، وَجَرَى ذَلِكَ فِي نَقْضِ الْهُدْنَةِ مَجْرَى تَصْرِيحِهِمْ بِالْقَوْل بِأَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْهُدْنَةَ (١) .

وَقَدْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل مَكَّةَ بَعْدَ الْهُدْنَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ لأَِنَّهُمْ كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ بِمُعَاوَنَتِهِمْ بَنِي كِنَانَةَ عَلَى قِتَال خُزَاعَةِ، وَكَانَتْ حُلَفَاءَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ، فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى النَّبْذِ إِلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ بِنَصْبِ الْحَرْبِ لِحُلَفَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٢) .

ثَانِيًا: الْخِيَانَةُ فِي الْبَاطِنِ:

٢٢ - مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ تَرْكُ الْخِيَانَةِ بِأَنْ لاَ يَسْتَسِرَّ أَهْل الْهُدْنَةِ بِفِعْلٍ مَا يَنْقُضُ الْهُدْنَةَ لَوْ أَظْهَرُوهُ، مِثْل أَنْ يُمَايِلُوا فِي السِّرِّ


(١) الْحَاوِي ١٨ / ٤٤٣، والبحر الرَّائِق ٥ / ٨٥، والمبسوط لِلسَّرْخَسِيَ ١٠ / ٨٦ - ٨٨، وأحكام الْقُرْآن لِلْجَصَّاصِ ٣ / ٦٧.
(٢) حَدِيث: " مَجِيء أَبِي سُفْيَان إِلَى رَسُولٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَجْدِيدِ الْعَهْدِ. . . " أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلاَئِل النُّبُوَّةِ (٥ / ٩ - ط دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ) مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْن عُقْبَة مُرْسَلاً.