للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ:

١٤ - مِنَ الشُّرُوطِ الْمُوجِبَةِ لِحَدِّ الزِّنَى وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ. (١)

وَقَدْ نَازَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالإِْرْسَال تَارَةً وَبِالْوَقْفِ تَارَةً أُخْرَى. قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: وَنَحْنُ نَقُول: إِنَّ الإِْرْسَال لاَ يَقْدَحُ، وَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ؛ لأَِنَّ إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِشُبْهَةٍ خِلاَفُ مُقْتَضَى الْعَقْل، بَل مُقْتَضَاهُ أَنَّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الثُّبُوتِ لاَ يَرْتَفِعُ بِشُبْهَةٍ فَحَيْثُ ذَكَرَهُ صَحَابِيٌّ حُمِل عَلَى الرَّفْعِ. وَأَيْضًا فِي إِجْمَاعِ فُقَهَاءِ الأَْمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كِفَايَةٌ. وَلِذَا قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى الْعَمَل بِهِ. وَأَيْضًا تَلَقَّتْهُ الأُْمَّةُ بِالْقَبُول. وَفِي تَتَبُّعِ الْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ مَا يَقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَال لِمَاعِزٍ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ (٢) . كُل ذَلِكَ يُلَقِّنُهُ أَنْ يَقُول: نَعَمْ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى، وَلَيْسَ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ إِلاَّ كَوْنَهُ إِذَا قَالَهَا تُرِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ


(١) حديث: " ادرأوا الحدود بالشبهات " أخرجه السمعاني كما في المقاصد الحسنة للسخاوي (ص ٣٠ - ط السعادة) ، ونقل السخاوي عن ابن حجر أنه قال: في سنده من لا يعرف.
(٢) حديث: " لعلك قبلت؟ أو غمزت أو نظرت؟ " أخرجه البخاري (الفتح ١٢ / ١٣٥ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.