للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاللَّهُ جَعَل لَكُمُ الأَْرْضَ بِسَاطًا} (١) وَكَذَا مَنْ حَلَفَ أَلاَّ يَمَسَّ وَتَدًا، فَمَسَّ جَبَلاً لاَ يَحْنَثُ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَدًا فِي قَوْلِهِ: {وَالْجِبَال أَوْتَادًا} (٢) وَكَذَا مَنْ حَلَفَ لاَ يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ إِنْسَانًا لاَ يَحْنَثُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى دَابَّةً فِي الْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى دَابَّةً فِي اللُّغَةِ. (٣)

وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَجْعَل اللَّفْظَ فِي الْعُرْفِ مَجَازًا عَنْ مَعْنًى آخَرَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لاَ يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلاَنٍ، فَإِنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنِ الدُّخُول مُطْلَقًا، فَفِي هَذَا لاَ يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ أَصْلاً، حَتَّى لَوْ وَضَعَ قَدَمَهُ وَلَمْ يَدْخُل لاَ يَحْنَثُ؛ لأَِنَّ الْمَعْنَى الأَْصْلِيَّ وَالْعُرْفِيَّ لِلَّفْظِ قَدْ هُجِرَ، وَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ مَعْنًى آخَرَ، وَمِثْلُهُ: لاَ آكُل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - وَهِيَ مِنَ الأَْشْجَارِ الَّتِي لاَ تُثْمِرُ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْل شَيْءٍ مِنْهَا - فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى الاِنْتِفَاعِ بِثَمَنِهَا، فَلاَ يَحْنَثُ بِتَنَاوُل شَيْءٍ مِنْهَا وَمَضْغِهِ وَابْتِلاَعِهِ. (٤)

ب - مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:

١٦٩ - إِذَا لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحْلِفٌ ذُو حَقٍّ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ نِيَّةً مُعْتَبَرَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِلْيَمِينِ بِسَاطٌ دَالٌّ عَلَى مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ، فَالْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لاَ يَأْكُل خُبْزًا، وَكَانَ أَهْل بَلَدِهِ لاَ يَأْكُلُونَ


(١) سورة نوح / ١٩.
(٢) سورة النبأ / ٧.
(٣) فتح القدير ٣ / ٣٠.
(٤) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ٣ / ٧٣. وقد ألف في هذا الموضوع رسالة سماها (رفع الانتقاض ودفع الاعتراض على قولهم الأيمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض) وحث على مراجعتها لمن أراد الزيادة على التحقيق المذكور هنا.