للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْكُل خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْمِلْحَ، وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ كُل يَوْمٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَوْ عَمِلَهَا غَيْرُهُ لَهَانَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَلَمْ يَحْتَرِمُوهُ وَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ، فَاحْتَاجَ إِلَى أَنْ يَضَعَ غَيْرَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لِحِفْظِ النِّظَامِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَوَجَدَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدِ اتَّخَذَ الْحُجَّابَ وَأَرْخَى الْحِجَابَ وَاتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ النَّفِيسَةَ وَالثِّيَابَ الْهَائِلَةَ الْعَلِيَّةَ وَسَلَكَ مَا يَسْلُكُهُ الْمُلُوكُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: إِنَّا بِأَرْضٍ نَحْنُ فِيهَا مُحْتَاجُونَ لِهَذَا، فَقَال لَهُ: لاَ آمُرُكَ وَلاَ أَنْهَاكَ، وَمَعْنَاهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِكَ هَل أَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَى هَذَا فَيَكُونَ حَسَنًا أَوْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ.

فَدَل ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ أَحْوَال الأَْئِمَّةِ وَوُلاَةِ الأُْمُورِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْعْصَارِ وَالأَْمْصَارِ وَالْقُرُونِ وَالأَْحْوَال، فَلِذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا، وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال. (١)

بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ:

١٢ - مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الأَْحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ شُرِعَتْ لِلتَّسْهِيل عَلَى الْعِبَادِ إِلاَّ أَنَّ مِنْهَا مَا شُرِعَ مِنَ الأَْصْل مُرَاعًى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَحَاجَةُ النَّاسِ فَيُبَاحُ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَذَلِكَ كَالْقَرْضِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا.


(١) الفروق للقرافي ٤ / ٢٠٣.