للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا اشْتَدَّ (١) . وَقَيَّدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ بِأَنْ يَقْذِفَ بِالزَّبَدِ (٢) بَعْدَ اشْتِدَادِهِ (٣) .

وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ كَوْنَهُ نِيئًا.

يَتَبَيَّنُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ إِطْلاَقَ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُسْكِرَاتِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الأَْوَّل مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ، فَكُل مُسْكِرٍ عِنْدَهُمْ خَمْرٌ.

وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ، فَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ عِنْدَهُمْ عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا غَلَى (٤) وَاشْتَدَّ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ. وَإِطْلاَقُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَْشْرِبَةِ مَجَازٌ وَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الأَْشْرِبَةُ الْمُسْكِرَةُ الأُْخْرَى

٥ - ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنْ يَكُونَ كُل مُسْكِرٍ خَمْرًا هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ أَوْ شَرْعِيَّةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ، وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ مَا كَانَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ لاَ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، وَالاِخْتِلاَفُ فِي الإِْطْلاَقِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ، وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يُغَيِّرَ الأَْحْكَامَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عِنْدَ شُرْبِ قَلِيلِهِ، وَالنَّجَاسَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْخَمْرِ، مَا عَدَا مَسْأَلَةَ تَكْفِيرِ مُسْتَحِل غَيْرِ الْخَمْرِ، فَلاَ يَكْفُرُ مُنْكِرُ


(١) اشتد: قوي تأثيره بحيث يصير مسكرا (ابن عابدين ٥ / ٢٨٨) .
(٢) قذف بالزبد: رمى بالرغوة (المرجع السابق) .
(٣) ابن عابدين ٥ / ٢٨٨، وفتح القدير مع الهداية ٩ / ٢٦، وأسنى المطالب ٤ / ١٥٨ ط الميمنية بمصر، ومغني المحتاج ٤ / ١٨٦.
(٤) الغليان: الفوران من غير نار.