للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَقُول ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ، فَقَال قَوْمٌ: هُوَ طَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلاً، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ (١) .

وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَمَّا مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ إِذَا لاَقَتْهُ النَّجَاسَةُ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْجُسُ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَنْجُسُ إِلاَّ بِالتَّغَيُّرِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ (٢) .

وَاسْتَدَل أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْل بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ (٣) .

الْقَوْل الثَّانِي: يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ قَلِيلاً وَبَيْنَ كَوْنِهِ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً يَنْجُسُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لاَ يَنْجُسُ.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (٤) .


(١) بداية المجتهد ١ / ٤١.
(٢) المغني ١ / ٢٣.
(٣) حديث: " إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه. . . ". تقدم تخريجه ف (١١) .
(٤) بدائع الصنائع ١ / ٧١، وبداية المجتهد ١ / ٤١، ومغني المحتاج ١ / ٢١، والمغني ١ / ٢٣، والمجموع ١ / ١١٢.