للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي " الْمُجَرَّدِ " أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَسْمَعَ مِنَ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ وَيَسْكُنَ قَلْبُهُ إِلَى خَبَرِهِمَا؛ لأَِنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ بِقَوْل اثْنَيْنِ، وَهَذَا قَوْل الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْل الأَْوَّل هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الاِسْتِفَاضَةِ، فَإِنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ فَيْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ، وَلأَِنَّهُ لَوِ اكْتَفَى فِيهِ بِقَوْل اثْنَيْنِ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ، وَإِذَا سَمِعَ رَجُلاً يَقُول لِصَبِيٍّ: هَذَا ابْنِي، جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ؛ لأَِنَّهُ مُقِرٌّ بِنَسَبِهِ، وَإِنْ سَمِعَ الصَّبِيَّ يَقُول: هَذَا أَبِي، وَالرَّجُل يَسْمَعُهُ فَسَكَتَ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ أَيْضًا؛ لأَِنَّ سُكُوتَ الأَْبِ إِقْرَارٌ لَهُ، وَالإِْقْرَارُ يُثْبِتُ النَّسَبَ فَجَازَتِ الشَّهَادَةُ، وَإِنَّمَا أُقِيمَ السُّكُوتُ هَهُنَا مَقَامَ الإِْقْرَارِ؛ لأَِنَّ الإِْقْرَارَ عَلَى الاِنْتِسَابِ الْبَاطِل جَائِزٌ بِخِلاَفِ سَائِرِ الدَّعَاوِي، وَلأَِنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الإِْثْبَاتُ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالإِْمْكَانِ فِي النِّكَاحِ؟ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُحْتَمَل أَلاَّ يَشْهَدَ مَعَ السُّكُوتِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ؛ لأَِنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَقِيقِيٍّ، وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَهُ، فَاعْتُبِرَتْ تَقْوِيَتُهُ بِالتَّكْرَارِ، كَمَا اعْتُبِرَتْ تَقْوِيَةُ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ بِالاِسْتِمْرَارِ. (١)

ط - حُكْمُ الْقَاضِي: ٤٤ - يُعَدُّ حُكْمُ الْقَاضِي بِالنَّسَبِ دَلِيلاً مُسْتَقِلًّا؛


(١) المغني ١٢ / ٢٣ وما بعدها.