للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لَوْ تَرَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَصْبَ الْعِرْقِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ قَدْ قَتَل نَفْسَهُ، حَتَّى لاَ يُسْأَل جَارِحُهُ عَنِ الْقَتْل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (١) . وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِخِلاَفِهِ، وَقَالُوا: إِنْ تَرَكَ شَدَّ الْفِصَادِ مَعَ إِمْكَانِهِ لاَ يَسْقُطُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ جُرِحَ فَتَرَكَ مُدَاوَاةَ جُرْحِهِ (٢) .

وَمَعَ تَصْرِيحِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ تَرْكَ الْعِلاَجِ لاَ يُعْتَبَرُ عِصْيَانًا؛ لأَِنَّ الْبُرْءَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ، قَالُوا: إِنْ ضَرَبَ رَجُلاً بِإِبْرَةٍ فِي غَيْرِ الْمَقْتَل عَمْدًا فَمَاتَ، لاَ قَوَدَ فِيهِ (٣) فَقَدْ فَصَّلُوا بَيْنَ الْجُرْحِ الْمُهْلِكِ وَغَيْرِ الْمُهْلِكِ كَالشَّافِعِيَّةِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ تَرْكَ الْجُرْحِ الْيَسِيرِ لِنَزْفِ الدَّمِ حَتَّى الْمَوْتِ يُشْبِهُ الاِنْتِحَارَ.

وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى نَصٍّ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:

٨ - الاِنْتِحَارُ حَرَامٌ بِالاِتِّفَاقِ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} (٤) وَقَال: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (٥) وَقَدْ قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمُنْتَحِرَ أَعْظَمُ وِزْرًا مِنْ قَاتِل غَيْرِهِ، وَهُوَ فَاسِقٌ وَبَاغٍ عَلَى نَفْسِهِ، حَتَّى قَال بَعْضُهُمْ: لاَ يُغَسَّل وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْبُغَاةِ، وَقِيل: لاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ (٦) .

كَمَا أَنَّ ظَاهِرَ بَعْضِ الأَْحَادِيثِ يَدُل عَلَى خُلُودِهِ


(١) نهاية المحتاج٧ / ٢٤٣
(٢) المغني ٩ / ٣٢٦
(٣) ابن عابدين ٥ / ٢١٥، والفتاوى الهندية ٦ / ٥
(٤) سورة الأنعام / ١٥١
(٥) سورة النساء / ٢٩
(٦) ابن عابدين ١ / ٥٨٤، والقليوبي مع حاشية عميرة ١ / ٣٤٨، ٣٤٩، والمغني ٢ / ٤١٨، والزواجر لابن حجر الهيثمي ٢ / ٩٦