للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَأْخُذُوا مَالاً. وَيَدُل أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: بَدَأَ بِالأَْغْلَظِ فَالأَْغْلَظِ وَالْمَعْهُودُ مِنَ الْقُرْآنِ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ، الْبُدَاءَةُ بِالأَْخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ التَّرْتِيبُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالأَْغْلَظِ فَالأَْغْلَظِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْقَتْل (١) .

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ أَخَذَ قَبْل قَتْل نَفْسٍ أَوْ أَخْذِ شَيْءٍ حُبِسَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ حَتَّى يَتُوبَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الآْيَةِ، وَإِِنْ أَخَذَ مَالاً مَعْصُومًا بِمِقْدَارِ النِّصَابِ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلاَفٍ، وَإِِنْ قَتَل مَعْصُومًا وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً قُتِل. أَمَّا إِنْ قَتَل النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَال، وَهُوَ الْمُحَارِبُ الْخَاصُّ فَالإِِْمَامُ مُخَيَّرٌ فِي أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ: إِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلاَفٍ ثُمَّ قَتَلَهُمْ، وَإِِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ فَقَطْ، وَإِِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلْبِ هُنَا طَعْنُهُ وَتَرْكُهُ حَتَّى يَمُوتَ وَلاَ يُتْرَكُ أَكْثَر مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ إِفْرَادُ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَل لاَ بُدَّ مِنِ انْضِمَامِ الْقَتْل أَوِ الصَّلْبِ إِلَيْهِ، لأَِنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ وَأَخْذُ مَالٍ، وَالْقَتْل وَحْدَهُ فِيهِ الْقَتْل، وَأَخْذُ الْمَال وَحْدَهُ فِيهِ الْقَطْعُ، فَفِيهِمَا مَعَ الإِِْخَافَةِ لاَ يُعْقَل الْقَطْعُ وَحْدَهُ. وَقَال: صَاحِبَاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: يُصْلَبُونَ وَيُقْتَلُونَ وَلاَ يُقْطَعُونَ (٢) .


(١) بدائع الصنائع ٧ / ٩٣ - ٩٤ روض الطالب ٤ / ١٥٤، ونهاية المحتاج ٨ / ٢٧، والمغني ٨ / ٢٨٩.
(٢) بدائع الصنائع ٧ / ٩٤، وابن عابدين ٣ / ٢١٣، والاختيار ٤ / ١١٤.