للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَهَادَتُهُمْ، لأَِنَّهُ قَدْ تَوَلَّى هَذِهِ الْحِرَفَ قَوْمٌ صَالِحُونَ فَمَا لَمْ يُعْلَمِ الْقَادِحُ لاَ يُبْنَى عَلَى ظَاهِرِ الصِّنَاعَةِ، فَالْعِبْرَةُ لِلْعَدَالَةِ لاَ لِلْحِرْفَةِ، فَكَمْ مِنْ دَنِيءِ الصِّنَاعَةِ أَتْقَى مِنْ ذِي مَنْصِبٍ وَوَجَاهَةٍ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (١) } .

لَكِنْ يَقُول الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِذَا كَانَ مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الْحِرَفِ مِمَّنْ لاَ تَلِيقُ بِهِ، وَرَضِيَهَا اخْتِيَارًا بِأَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ عَلَيْهَا لَمْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ، لأَِنَّ ذَلِكَ يَدُل عَلَى قِلَّةِ الْمُبَالاَةِ وَعَلَى خَبَلٍ فِي عَقْلِهِ، وَتُقْبَل إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا.

وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْوَجْهُ الآْخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُمْ، لأَِنَّ الْقِيَامَ بِهَذِهِ الْحِرَفِ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ فِي الْحِرْفَةِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ (٢) .

كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ الأَْجِيرِ الْخَاصِّ لِمُسْتَأْجِرِهِ لاَ تُقْبَل، لأَِنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلاَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلاَ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَلاَ الزَّوْجِ


(١) سورة الحجرات / ١٣.
(٢) حاشية ابن عابدين ٤ / ٣٧٨، والاختيار ٢ / ١٤٧، والدسوقي ٤ / ١٦٦، ومنح الجليل ٤ / ٢٢٠، ونهاية المحتاج ٨ / ٢٨٥، والمهذب ٢ / ٣٢٦، ومغني المحتاج ٤ / ٤٣٢، وكشاف القناع ٦ / ٤٢٤، والمغني ٩ / ١٦٩ ويجدر التنبه إلى أن اعتبار المهنة دنيئة أو غير دنيئة مرده إلى العرف.