للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ حَرِيمَ بِئْرِ الْعَطَنِ (وَهِيَ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا لِلْمَوَاشِي) أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. قِيل: الأَْرْبَعُونَ مِنَ الْجَوَانِبِ الأَْرْبَعِ مِنْ كُل جَانِبٍ عَشَرَةٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُل جَانِبٍ. وَأَمَّا حَرِيمُ الْبِئْرِ النَّاضِحِ (وَهِيَ أَنْ يَحْمِل الْبَعِيرُ الْمَاءَ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ لِسَقْيِ الزَّرْعِ) فَهُوَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ أَعْرِفُ إِلاَّ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَبِهِ يُفْتَى. وَمَنْ أَحْيَا نَهْرًا فِي أَرْضِ مَوَاتٍ فَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا، وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا بِالإِْجْمَاعِ.

وَذَكَرَ فِي النَّوَازِل: وَحَرِيمُ النَّهْرِ مِنْ كُل جَانِبٍ نِصْفُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَال مُحَمَّدٌ مِنْ كُل جَانِبٍ بِمِقْدَارِ عَرْضِ النَّهْرِ. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ. وَمَنْ أَخْرَجَ قَنَاةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ اسْتَحَقَّ الْحَرِيمَ بِالإِْجْمَاعِ. وَحَرِيمُهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَرِيمُ الْبِئْرِ. إِلاَّ أَنَّ الْمَشَايِخَ زَادُوا عَلَى هَذَا فَقَالُوا: الْقَنَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ مَنْزِلَةُ الْعَيْنِ الْفَوَّارَةِ، حَرِيمُهَا خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ بِالإِْجْمَاعِ. أَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يَقَعُ الْمَاءُ عَلَى الأَْرْضِ فَحَرِيمُهَا مِثْل النَّهْرِ. وَقَالُوا: إِنَّ حَرِيمَ الشَّجَرَةِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ (١) .

الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْبِئْرَ لَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مُقَدَّرٌ، فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: " أَمَّا الْبِئْرُ فَلَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مَحْدُودٌ لاِخْتِلاَفِ الأَْرْضِ بِالرَّخَاوَةِ وَالصَّلاَبَةِ، وَلَكِنْ حَرِيمُهَا مَا لاَ ضَرَرَ مَعَهُ عَلَيْهَا. وَهُوَ مِقْدَارُ مَا لاَ يَضُرُّ بِمَائِهَا، وَلاَ يُضَيِّقُ مُنَاخَ إِبِلِهَا وَلاَ مَرَابِضَ مَوَاشِيهَا عِنْدَ الْوُرُودِ. وَلأَِهْل الْبِئْرِ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ


(١) الفتاوى الهندية ٥ / ٣٨٧ - ٣٨٨