للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَعَذَّرَ الدَّرْءُ دُرِئَتِ الْمَفْسَدَةُ وَلَوْ فَاتَتِ الْمَصْلَحَةُ قَال تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُل فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (١) حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ لأَِنَّ مَفْسَدَتَهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا (٢) . وَإِِذَا اجْتَمَعَتِ الْمَفَاسِدُ الْمَحْضَةُ، فَإِِنْ أَمْكَنَ دَرْؤُهَا دُرِئَتْ، وَإِِنْ تَعَذَّرَ دَرْءُ الْجَمِيعِ دُرِئَ الأَْفْسَدُ فَالأَْفْسَدُ، وَالأَْرْذَل فَالأَْرْذَل، وَإِِنْ تَسَاوَتْ فَقَدْ يَتَوَقَّفُ، وَقَدْ يَتَخَيَّرُ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ التَّسَاوِي وَالتَّفَاوُتُ (٣) .

وَيَقُول ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَجِمَاعُ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ فِيمَا إِذَا تَعَارَضَتِ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ، وَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، أَوْ تَزَاحَمَتْ، فَإِِنَّهُ يَجِبُ تَرْجِيحُ الرَّاجِحِ مِنْهَا فِيمَا إِذَا ازْدَحَمَتِ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ، فَإِِنَّ الأَْمْرَ وَالنَّهْيَ وَإِِنْ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِتَحْصِيل مَصْلَحَةٍ وَدَفْعِ مَفْسَدَةٍ، فَيُنْظَرُ فِي الْمُعَارِضِ لَهُ، فَإِِنْ كَانَ الَّذِي يَفُوتُ مِنَ الْمَصَالِحِ أَوْ يَحْصُل مِنَ الْمَفَاسِدِ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ، بَل يَكُونُ مُحَرَّمًا إِذَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، لَكِنَّ اعْتِبَارَ مَقَادِيرِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ هُوَ بِمِيزَانِ الشَّرِيعَةِ فَمَتَى قُدِّرَ لإِِِنْسَانٍ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ لَمْ يَعْدِل عَنْهَا، وَإِِلاَّ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ لِمَعْرِفَةِ الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ الشَّخْصُ أَوِ الطَّائِفَةُ جَامِعِينَ بَيْنَ مَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ بِحَيْثُ لاَ


(١) سورة البقرة / ٢١٩.
(٢) قواعد الأحكام ١ / ٩٨.
(٣) قواعد الأحكام ١ / ٩٣.