للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَشْهَدَ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَنْ يَسْتُرَ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ. قَال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ} (١)

وَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ (٢) وَقَدْ نَدَبَهُ الشَّرْعُ إِِلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنْ شَاءَ اخْتَارَ جِهَةَ الْحِسْبَةِ فَأَقَامَهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِِنْ شَاءَ اخْتَارَ جِهَةَ السَّتْرِ فَيَسْتُرُ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَالسَّتْرُ أَوْلَى.

وَأَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِ الْحُدُودِ نَحْوُ طَلاَقٍ وَإِِعْتَاقٍ وَظِهَارٍ وَإِِيلاَءٍ وَنَحْوِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحُرُمَاتِ تَلْزَمُهُ إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ حِسْبَةً لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إِِلَى إِقَامَتِهَا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ (٣) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لأَِدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ إِنِ اسْتَدَامَ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالْعِتْقِ وَالطَّلاَقِ وَالرَّضَاعِ وَالْوَقْفِ، وَإِِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ يَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْ مُتَعَلَّقِهِ كَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الرَّفْعِ وَعَدَمِهِ، وَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُجَاهِرِ بِالْفِسْقِ. وَفِي الْمَوَّاقِ أَنَّ سَتْرَ الإِِْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ


(١) سورة الطلاق / ٢.
(٢) حديث: " من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة ". أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٧٤ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(٣) بدائع الصنائع ٩ / ٤٠٦٠، ٤٠٦١، شرح غرر الأحكام ٢ / ٣٧١، ٣٧٢.