للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنَقَل الْقَرَافِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ يُؤْمَرَانِ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَيَانِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَخْفِضُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ (١) .

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْل ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إِذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُكَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلاَ إِسَاءَةٍ، وَلاَ يُغَلِّظُ لَهُ فِي الْكَلاَمِ، وَلَيْسَ الأَْبُ كَالأَْجْنَبِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ إِذَا كَانَ أَبَوَاهُ يَبِيعَانِ الْخَمْرَ لَمْ يَأْكُل مِنْ طَعَامِهِمَا، وَخَرَجَ عَنْهُمَا (٢) .

أَمَّا الاِحْتِسَابُ بِالتَّعْنِيفِ وَالضَّرْبِ وَالإِِْرْهَاقِ إِِلَى تَرْكِ الْبَاطِل، فَإِِنَّ الْغَزَالِيَّ يَتَّفِقُ مَعَ غَيْرِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ حَيْثُ قَال: إِنَّ الأَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَرَدَ عَامًّا، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ إِيذَاءِ الأَْبَوَيْنِ فَقَدْ وَرَدَ خَاصًّا فِي حَقِّهِمَا مِمَّا يُوجِبُ اسْتِثْنَاءَهُمَا مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ، إِذْ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْجَلاَّدَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُل أَبَاهُ فِي الزِّنَى حَدًّا، وَلاَ لَهُ أَنْ يُبَاشِرَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ، بَل لاَ يُبَاشِرُ قَتْل أَبِيهِ الْكَافِرِ، بَل لَوْ قَطَعَ يَدَهُ لَمْ يَلْزَمْ قِصَاصٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُؤْذِيَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَإِِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ إِيذَاؤُهُ بِعُقُوبَةٍ هِيَ حَقٌّ عَلَى جِنَايَةٍ سَابِقَةٍ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ إِيذَاؤُهُ بِعُقُوبَةٍ هِيَ مَنْعٌ عَنْ جِنَايَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مُتَوَقَّعَةٍ بَل أَوْلَى (٣)


(١) الفروق ٤ / ٢٥٦.
(٢) الآداب الشرعية ١ / ٥٠٥.
(٣) الإحياء ٢ / ٤٠٦.