للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْلَكْنَاكَهَا بِمَا مَعَك مِنَ الْقُرْآنِ (١) .

ثُمَّ إِِنَّ الذَّاهِبِينَ إِِلَى جَوَازِ ذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُحَفِّظُهَا إِِيَّاهُ مِنَ السُّوَرِ وَالآْيَاتِ، لأَِنَّ السُّوَرَ وَالآْيَاتِ تَخْتَلِفُ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ تَحْفِيظِهَا لِلْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ وَالآْيَاتِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا هَل يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ الَّتِي يُعَلِّمُهَا وَفْقًا لَهَا أَمْ لاَ؟

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لأَِنَّ كُل قِرَاءَةٍ تَنُوبُ مَنَابَ الْقِرَاءَةِ الأُْخْرَى، " وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَرْأَةِ قِرَاءَةً مُعَيَّنَةً " وَقَدْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقِرَاءَةِ أَشَدَّ مِنِ اخْتِلاَفِ الْقُرَّاءِ الْيَوْمَ. فَيُعَلِّمُهَا مَا شَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ.

وَيَرَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُ قِرَاءَةٍ بِعَيْنِهَا لأَِنَّ الأَْغْرَاضَ تَخْتَلِفُ، وَالْقِرَاءَاتِ كَذَلِكَ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا صَعْبٌ وَمِنْهَا سَهْلٌ، وَنُقِل عَنِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُعَلِّمُهَا مَا غَلَبَ عَلَى قِرَاءَةِ أَهْل الْبَلَدِ، وَإِِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهَا مَا شَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ، وَهَذَا إِِذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى قِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَمَّا إِِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَفِّظَهَا هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، فَإِِنْ خَالَفَ


(١) حديث: " أملكناكها بما معك من القرآن ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ١٧٥ ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٠٤١ ط الحلبي) من حديث سهل بن سعد.