للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ غَلَّبَ فِيهِ جَانِبَ الْعَبْدِ أَجَازَ الْعَفْوَ فِيهِ قَبْل الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَبَعْدَهُ وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَجُوزُ الْعَفْوُ فِيهِ بَعْدَ الرَّفْعِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ.

وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ الْعَفْوَ بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ يُرِيدُ السِّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ هَذَا الْقَيْدُ بَيْنَ الاِبْنِ وَأَبِيهِ. (١)

وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُدُودِ، أَمَّا التَّعْزِيرُ فَمَا كَانَ مِنْهُ حَقًّا لِلآْدَمِيِّ جَازَ الْعَفْوُ عَنْهُ وَمَا كَانَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَى الإِْمَامِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ. (٢)

وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ.

كَمَا أَنَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مَا شُرِعَ أَصْلاً لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ، وَلِذَلِكَ لاَ يَسْقُطُ بِالإِْسْقَاطِ لِمُنَافَاةِ الإِْسْقَاطِ لِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ، وَمِنْ ذَلِكَ وِلاَيَةُ الأَْبِ عَلَى الصَّغِيرِ، فَهِيَ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ وَصْفًا ذَاتِيًّا لِصَاحِبِهَا فَهِيَ لاَزِمَةٌ لَهُ وَلاَ تَنْفَكُّ عَنْهُ، فَحَقُّهُ ثَابِتٌ بِإِثْبَاتِ الشَّرْعِ، فَيُعْتَبَرُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ لاَ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ. (٣)


(١) البدائع ٧ / ٥٥ - ٥٦ والهداية ٢ / ١١٣ ومنح الجليل ٣ / ٤٢٤، ٤ / ٥١٥، والمهذب ٢ / ٢٧٥، ٢٨٤ والمنثور ٢ / ٢٤٩ والمغني ٨ / ٢١٧، ٢٨٢.
(٢) البدائع ٧ / ٦٤ - ٦٥ والدسوقي ٤ / ٣٥٤ ومغني المحتاج ٤ / ١٩٣ والمغني ٨ / ٣٢٦.
(٣) البدائع ٥ / ١٥٢، ٦ / ٤٨ وأشباه ابن نجيم / ١٦٠ وابن عابدين ٢ / ١٠٢ وشرح منتهى الإرادات ٢ / ٥٢٦ والمنثور ٣ / ٣٩٣.