للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَوَالَةِ صَالِحٌ لِمَعْنَى الْوَكَالَةِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَمُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَاهَا فِي الْعُرْفِ الْفِقْهِيِّ، كَمَا وَقَعَ فِي كَلاَمِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَنَّ الأَْصْل عَدَمُ الْحَوَالَةِ وَبَقَاءُ حَقِّ الْمُحِيل دَيْنًا، فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُحِيل وَلاَ بَيِّنَةَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلاَّ الْيَمِينُ، لِنَصِّ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ. (١) وَلاَ يَكُونُ اسْتِعْمَال لَفْظِ الْحَوَالَةِ بِمَثَابَةِ إِقْرَارٍ مِنَ الْمُحِيل بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لِلْمُحَال مَا دَامَ لَفْظُهَا صَالِحًا لِمَعْنَى الْوَكَالَةِ.

وَبِهَذَا الأَْصْل يُتَمَسَّكُ لِقَوْل مُحَمَّدٍ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ - أَنَّ لِلْمُحِيل أَنْ يَقْبِضَ الْمَال فِي غَيْبَةِ الْمُحَال، وَأَنْ يُنْهَى عَنْ دَفْعِهِ إِلَيْهِ بِدَعْوَى أَنَّهُ حِينَ أَحَالَهُ إِنَّمَا أَرَادَ تَوْكِيلَهُ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي رَوَاهُ بِشْرٌ - وَاعْتَمَدُوهُ وَيُعْزَى إِلَى أَبِي يُوسُفَ - خِلاَفَ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَصْدِيقَهُ فِي دَعْوَاهُ هَذِهِ هُوَ مِنْ قَبِيل الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. نَعَمْ إِذَا كَانَ فِي صِيغَةِ التَّعَاقُل نَفْسِهَا - وَرَاءَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ - مَا يُكَذِّبُ هَذَا الاِدِّعَاءَ، فَلاَ سَبِيل إِلَى قَبُولِهِ، وَلِذَا يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَتِ الْحَوَالَةُ بِصِيغَةِ: اضْمَنْ عَنِّي كَذَا مِنَ الْمَال لِفُلاَنٍ، كَانَتْ دَعْوَى الْوَكَالَةِ كَذِبًا مَرْفُوضًا، لأَِنَّ الصِّيغَةَ لاَ تَحْتَمِلُهَا. (٢)


(١) حديث: " البينة على المدعي واليمين. . . " أخرجه البيهقي (١٠ / ٢٥٢ - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عبد الله بن عباس. وإسناده صحيح.
(٢) الزيلعي على الكنز ٤ / ١٧٣، والفتاوى الهندية ٣ / ٣٠٤ وأبو السعود على ملا مسكين ٣ / ٢٢.