للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِقَوْلِهِ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ (١) فَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ تَدُل عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الصِّبَاغِ وَتَغْيِيرِ الشَّيْبِ هِيَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَبِهَذَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ الاِخْتِضَابِ. وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَالِغُ فِي مُخَالَفَةِ أَهْل الْكِتَابِ وَيَأْمُرُ بِهَا.

وَاخْتَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَدْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَخْتَضِبُ بِالصُّفْرَةِ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَاخْتَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَبَعْضُهُمْ بِالزَّعْفَرَانِ، وَاخْتَضَبَ جَمَاعَةٌ بِالسَّوَادِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَغَيْرُهُمْ.

وَنَقَل الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الطَّبَرِيِّ قَوْلَهُ (٢) : الصَّوَابُ أَنَّ الأَْحَادِيثَ الْوَارِدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَغْيِيرِ الشَّيْبِ وَبِالنَّهْيِ عَنْهُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ. بَل الأَْمْرُ بِالتَّغْيِيرِ لِمَنْ شَيْبُهُ كَشَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ، وَالنَّهْيُ لِمَنْ لَهُ شَمَطٌ (٣) فَقَطْ، وَاخْتِلاَفُ السَّلَفِ فِي فِعْل الأَْمْرَيْنِ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الأَْمْرَ وَالنَّهْيَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ بِالإِْجْمَاعِ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ (٤) .


(١) وحديث " إن النصارى واليهود لا يصبغون " رواه الشيخان (نيل الأوطار ١ / ١١٧ وما بعدها ط المطبعة العثمانية المصرية سنة ١٣٥٧ هـ) .
(٢) والآثار عن الصحابة في الخضاب بالسواد، رواها الطبراني عدا أثر عثمان بن عفان (مجمع الزوائد ٥ / ١٦٢ ط ١٣٥٣ هـ) ، وذكرها جميعا الشوكاني (نيل الأوطار ١ / ١١٨)
(٣) الشمط - بفتحتين - بياض شعر الرأس يخالط سواده (مختار الصحاح - شمط) .
(٤) نيل الأوطار ١ / ١١٧، وما بعدها.