للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْخِضَابِ بِالسَّوَادِ، وَيَقُول: هُوَ تَسْكِينٌ لِلزَّوْجَةِ، وَأَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ (١) .

وَمِنْهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ اخْتَضَبُوا بِالسَّوَادِ، وَلَمْ يُنْقَل الإِْنْكَارُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ (٢) ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ. وَكَانَ مِمَّنْ يَخْتَضِبُ بِالسَّوَادِ وَيَقُول بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ (٣) . وَمِنْهَا مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال: " كُنَّا نَخْتَضِبُ بِالسَّوَادِ إِذْ كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا (شَبَابًا) فَلَمَّا نَفَضَ الْوَجْهُ وَالأَْسْنَانُ (كَبِرْنَا) تَرَكْنَاهُ (٤) ".

وَلِلْحَنَفِيَّةِ رَأْيٌ آخَرُ بِالْجَوَازِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ بِتَحْرِيمِ الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ لِغَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ، لاَ يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ (٥) ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ أَبِي قُحَافَةَ: وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ، فَالأَْمْرُ عِنْدَهُمْ لِلتَّحْرِيمِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ عِنْدَهُمُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ.


(١) الأثر عن عمر رضي الله عنه أورده صاحب تحفة الأحوذي (٥ / ٤٣٧) وهو في عمدة القاري (٢٢ / ٥١ ط المنيرية) .
(٢) تحفة الأحوذي ٥ / ٤٣٩
(٣) تحفة الأحوذي ٥ / ٤٣٩
(٤) الأثر عن ابن شهاب أخرجه ابن أبي عاصم (فتح الباري ١٠ / ٣٥٥ ط السلفية) .
(٥) حديث " يكون قوم في آخر الزمان " أخرجه أبو داود والنسائي مرفوعا عن ابن عباس، وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. (تحفة الأحوذي ٥ / ٤٣٤، وشرح روض الطالب ١ / ١٧٣) ، وفي تعليق الشيخ محمد رشيد رضا على الآداب الشرعية (٣ / ٣٥٣) أن هذا الحديث فيه (عبد الكريم) غير منسوب، والظاهر أنه عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف، بدليل نكارة متن الحديث، بالوعيد الشديد على عمل من العادات المسنون جنسها، وهو صبغ الشعر، بأن صاحبه يحرم من دخول الجنة، فقد جعله من قبيل الكفر، وهذا مما يستدل به على وضع الحديث. وقد عده ابن الجوزي في