للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَكَانَتِ الصِّلَةُ بَيْنَ الْحَائِزِ وَبَيْنَ مُدَّعِي الْمِلْكِيَّةِ مُؤْثِّرَةً فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ كَمَا أَنَّ حُضُورَ مُدَّعِي الْمِلْكِيَّةِ وَبُعْدَهُ وَالْمَسَافَةَ الْفَاصِلَةَ بَيْنَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَبَيْنَ الْقَائِمِ بِالْحَقِّ لَهَا تَأْثِيرُهَا، وَكَذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَحُوزُ فَحِيَازَةُ الدُّورِ وَالأَْرْضِينَ لَيْسَتْ كَحِيَازَةِ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِذَا كَانَ الْمَالِكُ قَدْ يَتَسَامَحُ فِي سُكْنَى دَارِهِ الْخَمْسَ سَنَوَاتٍ مَثَلاً فَإِنَّهُ لاَ يَتَسَامَحُ فِي اسْتِعْمَال دَابَّتِهِ مِثْل هَذِهِ الْمُدَّةِ. كَمَا أَنَّ أَنْوَاعَ التَّصَرُّفِ مُخْتَلِفَةٌ فَهُنَاكَ التَّصَرُّفُ بِالسُّكْنَى، وَأَقْوَى مِنْهَا التَّصَرُّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَقَلْعِ الشَّجَرِ وَغِرَاسَةِ الأَْرْضِ، وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ وُجُوهِ التَّفْوِيتِ فَكَانَتْ أَحْكَامُ الْحِيَازَةِ تَتَأَثَّرُ بِهَذِهِ الاِعْتِبَارَاتِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ - فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ - إِلَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهُ وَكَانَ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَبَيِّنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعِي (الْخَارِجِ) تُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الدَّاخِل) .

وَقَال إِسْحَاقُ: لاَ تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَالٍ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (١) فَجَعَل


(١) حديث: " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ". أخرجه بهذا اللفظ البيهقي (١٠ / ٢٥٢ ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن عباس وأشار إلى شذوذ هذا الفظ، ورواه بإسناد صحيح بلفظ: " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر ".