للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّهُ لاَ يُبْطِئُ فِي مِشْيَتِهِ بِحَيْثُ يَدِبُّ عَلَى الأَْرْضِ دَبِيبَ الْمُتَمَاوِتِينَ الْمُتَثَاقِلِينَ.

وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْقَصْدِ فِي الْمَشْيِ، فَقَال تَعَالَى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} (١) ، كَمَا امْتَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَقْتَصِدُ فِي مِشْيَتِهِ وَلاَ يَتَجَاوَزُ الاِعْتِدَال بِقَوْلِهِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَْرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا} . (٢)

وَمِنْ ثَمَّ إِذَا تَجَاوَزَ الإِْنْسَانُ حَدَّ الاِعْتِدَال (٣) وَالْقَصْدِ فِي الْمَشْيِ يَكُونُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ، وَهُوَ الاِخْتِيَال. وَالأَْصْل فِي تَحْرِيمِ الاِخْتِيَال فِي الْمَشْيِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَْرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَْرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَال طُولاً كُل ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} . (٤)

وَالْمُرَادُ بِالْمَرَحِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ الْخُيَلاَءُ فِي الْمَشْيِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ الْخُيَلاَءِ وَأَمَرَ بِالتَّوَاضُعِ. وَقَدِ اسْتَدَل الْعُلَمَاءُ بِالآْيَةِ عَلَى ذَمِّ الاِخْتِيَال. وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَل أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْقَبَ النَّهْيَ عَنِ الْمَرَحِ بِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ سَيِّئٌ مَكْرُوهٌ، فِي: {كُل ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} فَهَذَا يَدُل عَلَى حَظْرِهِ وَتَحْرِيمِهِ، كَمَا أَنَّهُ قَرَنَهُ بِالزِّنَا وَالْقَتْل وَسَائِرِ الْكَبَائِرِ، فَدَل عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْكَبَائِرِ (٥) . وَمِنْ مَعَانِي الْمَرَحِ: الْكِبْرُ، وَتَجَاوُزُ الإِْنْسَانِ


(١) سورة لقمان / ١٨
(٢) سورة الفرقان / ٦٣
(٣) تفسير القرطبي ٧ / ٢٦١
(٤) سورة الإسراء / ٣٧، ٣٨
(٥) تفسير القرطبي ٧ / ٢٦١