للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدِ اسْتَثْنَى مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذَا الأَْصْل دَيْنَ الْمَهْرِ، فَأَجَازُوا أَنْ يَكُونَ قِيَمِيًّا مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُول الصِّفَةِ، وَجَعَل مَالِكٌ لَهَا الْوَسَطَ مِمَّا سُمِّيَ إِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فِي أَدَاءِ الْوَسَطِ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لاَ تَضُرُّ، إِذِ الْمَال غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي الزَّوَاجِ، فَيُتَسَامَحُ فِيهِ بِمَا لاَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ الأُْخْرَى؛ لأَِنَّ الْمُعَاوَضَاتِ تُبْنَى عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالْمُكَايَسَةِ، فَكَانَ الْجَهْل بِأَوْصَافِ الْعِوَضِ فِيهَا مُخِلًّا بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا، بِخِلاَفِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الصَّدَاقِ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا مُمَاثِلاً، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ الشَّارِعُ نِحْلَةً فَهُوَ كَالْهِبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ لاَ يَضُرُّ الْجَهْل بِهِ كَمَا لاَ يَضُرُّ بِالْهِبَةِ (١) .

(وَالْقَوْل الثَّانِي) لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ الأَْصَحِّ، أَنَّهُ يَصِحُّ كَوْنُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إِذَا كَانَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ (٢) . وَفِيمَا يَكُونُ بِهِ الْوَفَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَجْهَانِ:


(١) رد المحتار ٢ / ٣٤٧، الكافي لابن عبد البر ١ / ٤٥٣، بداية المجتهد ٢ / ١٩، المبسوط ٥ / ٦٧ - ٦٨
(٢) فتح العزيز ٩ / ٣٤٥، وما بعدها، ٣٦٣ وما بعدها، المهذب ١ / ٣١٠، ٣١١، نهاية المحتاج ٤ / ٢٢٢