للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٠ - وَالثَّامِنُ: الْفِعْل الْمَشْرُوعُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِتْلاَفُ مَال الْغَيْرِ: كَمَنْ أَكَل طَعَامَ غَيْرِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ مُضْطَرًّا لِدَفْعِ الْهَلاَكِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ تَرْخِيصَ الشَّارِعِ وَإِبَاحَتَهُ اسْتِهْلاَكَ مَال الْغَيْرِ بِدُونِ إِذْنِهِ لِدَاعِي الضَّرُورَةِ لاَ يُسْقِطُ عَنِ الْفَاعِل الْمَسْئُولِيَّةَ الْمَالِيَّةَ، وَلاَ يُعْفِيهِ مِنْ ثُبُوتِ مِثْل مَا أَتْلَفَهُ أَوْ قِيمَتِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِمَالِكِهِ، فَالأَْعْذَارُ الشَّرْعِيَّةُ لاَ تُنَافِي عِصْمَةَ الْمَحَل، وَالإِْبَاحَةُ لِلاِضْطِرَارِ لاَ تُنَافِي الضَّمَانَ (١) ؛ وَلأَِنَّ إِذْنَ الشَّارِعِ الْعَامَّ بِالتَّصَرُّفِ إِنَّمَا يَنْفِي الإِْثْمَ وَالْمُؤَاخَذَةَ بِالْعِقَابِ، وَلاَ يُعْفِي مِنْ تَحَمُّل تَبَعَةِ الإِْتْلاَفِ، بِخِلاَفِ إِذْنِ الْمَالِكِ (٢) ، وَلِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ " الاِضْطِرَارُ لاَ يُبْطِل حَقَّ الْغَيْرِ " (م ٣٣) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ، وَبِهَذَا قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَغَيْرِهِمْ (٣) .

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لأَِنَّ دَفْعَ الْهَلاَكِ


(١) رد المحتار ٥ / ٢١٥
(٢) وهو ما عبر عنه القرافي بقوله: " الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات لا يسقط الضمان، وإذن المالك الآدمي في التصرفات يسقطه ". الفروق ١ / ١٩٥
(٣) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ١ / ٩٤، ٢ / ١٧٦، القواعد لابن رجب ص ٣٧، ٦٩، ٧٢، الفروق ١ / ١٩٦، رد المحتار ٥ / ٢١٥، المهذب ١ / ٢٥٧، التنبيه للشيرازي (ط. الحلبي) ص ٥٣، نهاية المحتاج ٨ / ١٥٢ وما بعدها م (٣٣) من مجلة الأحكام العدلية