للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَقُول النَّوَوِيُّ: إِذَا عَلِمْتُ حَال الْقَدِيمِ وَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا أَفْتَوْا بِالْمَسَائِل الَّتِي فِيهِ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَدَّاهُمُ اجْتِهَادُهُمْ إِلَى الْقَدِيمِ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ وَهُمْ مُجْتَهِدُونَ فَأَفْتَوْا بِهِ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نِسْبَتُهُ إِلَى الشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَقُل أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل إِنَّهَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. (١) وَيَقُول ابْنُ الْقَيِّمِ: أَتْبَاعُ الأَْئِمَّةِ يُفْتُونَ كَثِيرًا بِأَقْوَالِهِمُ الْقَدِيمَةِ الَّتِي رَجَعُوا عَنْهَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ. فَالْحَنَفِيَّةُ يُفْتُونَ بِلُزُومِ الْمَنْذُورَاتِ الَّتِي مَخْرَجُهَا مَخْرَجُ الْيَمِينِ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ، وَقَدْ حَكَوْا هُمْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْل مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ إِلَى التَّكْفِيرِ، وَالْحَنَابِلَةُ يُفْتِي كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِوُقُوعِ طَلاَقِ السَّكْرَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ إِلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يُفْتُونَ بِالْقَوْل الْقَدِيمِ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْوِيبِ، وَامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَمَسْأَلَةِ التَّبَاعُدِ عَنِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِل، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَوْل الَّذِي صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ مَذْهَبًا لَهُ، فَإِذَا أَفْتَى الْمُفْتِي بِهِ مَعَ نَصِّهِ عَلَى خِلاَفِهِ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ عَنِ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبِهِ.

وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الصَّوَابُ إِذَا تَرَجَّحَ - عِنْدَ الْمُنْتَسِبِ إِلَى مَذْهَبٍ - قَوْلٌ غَيْرُ قَوْل إِمَامِهِ بِدَلِيلٍ رَاجِحٍ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى أُصُول إِمَامِهِ


(١) المجموع (١ / ٢٤ - ٢٥، ١١٢ - ١١٣) تحقيق المطيعي.