للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِتَسْلِيمِ الْمَال لِلْيَتِيمِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ لَمْ يَرْشُدْ بَعْدَ بُلُوغِهِ اسْتَمَرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ حَتَّى وَلَوْ صَارَ شَيْخًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ (١) .

وَهَذَا الرُّشْدُ قَدْ يَأْتِي مَعَ الْبُلُوغِ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، تَبَعًا لِتَرْبِيَةِ الشَّخْصِ وَاسْتِعْدَادِهِ وَتَعَقُّدِ الْحَيَاةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ أَوْ بَسَاطَتِهَا، فَإِذَا بَلَغَ الشَّخْصُ رَشِيدًا كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (٢) } .

وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ وَكَانَ عَاقِلاً كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، بَل تَبْقَى فِي يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ بِالْفِعْل، أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَلَوْ كَانَ مُبَذِّرًا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ؛ لأَِنَّ مَنْعَ الْمَال عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيل الاِحْتِيَاطِ وَالتَّأْدِيبِ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيل الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لاَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ، وَالإِْنْسَانُ بَعْدَ بُلُوغِهِ هَذِهِ السِّنَّ وَصَلاَحِيَتِهِ لأََنْ يَكُونَ جَدًّا لاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلتَّأْدِيبِ.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل


(١) تفسير القرطبي ٥ / ٣٧ ط. دار الكتب المصرية.
(٢) سورة النساء / ٥، ٦