للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٩ - وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الذِّكْرِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الآْيَةِ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (١) لأَِنَّهَا تُشْبِهُ الْمِيرَاثَ، لِكَوْنِهَا مَأْخُوذَةً بِلاَ عِوَضٍ، فَيَشُقُّ إِخْرَاجُهَا عَلَى الْوَرَثَةِ، فَكَانَتْ لِذَلِكَ مَظِنَّةً فِي التَّفْرِيطِ فِيهَا بِخِلاَفِ الدَّيْنِ فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ مُطْمَئِنَّةٌ إِلَى أَدَائِهِ، فَقُدِّمَ ذِكْرُهَا حَثًّا عَلَى أَدَائِهَا، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الأَْدَاءِ، أَوِ الْمُسَارَعَةِ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ جِيءَ بَيْنَهُمَا بِكَلِمَةِ التَّسْوِيَةِ، وَأَيْضًا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالتَّبَرُّعَاتِ وَلَيْسَ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ بِالْكُل فَتَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ، لأَِنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي حَال حَيَاتِهِ، وَالْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ تَطَوُّعٌ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى (٢) .

١٠ - ثُمَّ بَعْدَ التَّكْفِينِ وَالدَّيْنِ تَنْفُذُ الْوَصَايَا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَذَلِكَ فِي الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ - عَدَا خُوَاهَرْ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - لاَ مِنْ أَصْل الْمَال، لأَِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّكْفِينِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَدْ صَارَ مَصْرُوفًا فِي ضَرُورَاتِهِ الَّتِي لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهَا، فَالْبَاقِي هُوَ مَالُهُ الَّذِي كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ثُلُثِهِ، وَأَيْضًا رُبَّمَا اسْتَغْرَقَ ثُلُثُ الأَْصْل جَمِيعَ الْبَاقِي، فَيُؤَدِّي إِلَى حِرْمَانِ الْوَرَثَةِ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُعَيَّنَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ.

١١ - وَقَال شَيْخُ الإِْسْلاَمِ خُوَاهَرْ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُعَيَّنَةً كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى الإِْرْثِ. وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَأَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ رُبُعِهِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ لِشُيُوعِهَا فِي التَّرِكَةِ، فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ لاَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِمْ، وَيَدُل عَلَى شُيُوعِهِ فِيهَا كَحَقِّ الْوَارِثِ أَنَّهُ إِذَا زَادَ الْمَال بَعْدَ


(١) سورة النساء / ١١
(٢) السراجية ص ٤، ٥