للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَتَزَوَّجَ سَيِّدَتَهُ؛ لأَِنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ تَتَنَافَى مَعَ أَحْكَامِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الطَّرَفُ الآْخَرُ بِحُكْمِهِ يُسَافِرُ بِسَفَرِهِ وَيُقِيمُ بِإِقَامَتِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ فَيَتَنَافَيَانِ؛ وَلأَِنَّ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِوَامَةُ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ، وَالاِسْتِرْقَاقُ يَقْتَضِي قَهْرَ السَّادَاتِ لِلْعَبِيدِ بِالاِسْتِيلاَءِ وَالاِسْتِهَانَةِ، فَيَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ سَيِّدَةً لِعَبْدِهَا وَزَوْجَةً لَهُ.

وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ الْحُرَّةَ مَلَكَتْ زَوْجَهَا الْعَبْدَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا.

وَمِمَّا يَدُل لِصِحَّةِ زَوَاجِ الْعَبْدِ بِحُرَّةٍ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِعَبْدٍ اسْمُهُ مُغِيثٌ، فَلَمَّا أُعْتِقَتْ، قَال لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ رَاجَعْتِيهِ. فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّهِ أَتَأْمُرُنِي؟ قَال: إِنَّمَا أَنَا شَفِيعٌ. قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ (١) .

فَلاَ يَشْفَعُ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ تَنْكِحَ عَبْدًا إِلاَّ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ (٢) .

وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ كُفْءٍ لِلْحُرَّةِ فَلاَ تَتَزَوَّجُهُ إِلاَّ بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهُمُ الْفَسْخُ. وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْل الصَّاحِبَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْمَنْقُول


(١) حديث: " قصة بريرة ومغيث ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٤٠٨ - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
(٢) المغني ٦ / ٤٨٤، ٦١٠، ٦١١ والعناية بهامش فتح القدير ٢ / ٣٧١، وكشاف القناع ٥ / ٨٩٧، والقليوبي ٣ / ٢٤٧.