للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَصَنُّعًا لِلْمَخْلُوقِينَ، حَتَّى يَسْتَعْطِفَ بِهَا الْقُلُوبَ النَّافِرَةَ وَيَخْدُمَ بِهَا الْعُقُول الْوَاهِيَةَ، فَيَتَبَهْرَجَ بِالصُّلَحَاءِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَيَتَدَلَّسَ فِي الأَْخْيَارِ وَهُوَ ضِدُّهُمْ، وَقَدْ ضَرَبَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُرَائِي بِعَمَلِهِ مَثَلاً فَقَال: الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ (١) .

يُرِيدُ بِالْمُتَشَبِّعِ بِمَا لاَ يَمْلِكُ: الْمُتَزَيِّنُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ: هُوَ الَّذِي يَلْبَسُ ثِيَابَ الصُّلَحَاءِ، فَهُوَ بِرِيَائِهِ مَحْرُومُ الأَْجْرِ، مَذْمُومُ الذِّكْرِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَفْعَل الزِّيَادَةَ اقْتِدَاءً بِغَيْرِهِ، وَهَذَا قَدْ تُثْمِرُهُ مُجَالَسَةُ الأَْخْيَارِ الأَْفَاضِل، وَتُحْدِثُهُ مُكَاثَرَةُ الأَْتْقِيَاءِ الأَْمَاثِل. وَلِذَلِكَ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِل (٢) .

فَإِذَا كَاثَرَهُمُ الْمَجَالِسَ وَطَاوَلَهُمُ الْمُؤَانِسَ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ، وَيَتَأَسَّى بِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَلاَ يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُقَصِّرَ عَنْهُمْ، وَلاَ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَيْرِ دُونَهُمْ، فَتَبْعَثُهُ الْمُنَافَسَةُ عَلَى مُسَاوَاتِهِمْ، وَرُبَّمَا دَعَتْهُ الْحَمِيَّةُ إِلَى الزِّيَادَةِ


(١) حديث: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ". أخرجه البخاري (الفتح ٩ / ٣١٧ - ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٦٨ - ط. الحلبي) من حديث أسماء بنت أبي بكر.
(٢) حديث: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ". أخرجه الترمذي (٤ / ٥٨٩ - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن صحيح.