للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ} (١) فَقَدْ سَمَّى " الْقَطْعَ " جَزَاءً، وَالْجَزَاءُ يُبْنَى عَلَى الْكِفَايَةِ، فَلَوْ ضُمَّ إِلَيْهِ الضَّمَانُ لَمْ يَكُنِ الْقَطْعُ كَافِيًا، فَلَمْ يَكُنْ جَزَاءً، وَقَدْ جَعَل الْقَطْعَ كُل الْجَزَاءِ، لأَِنَّهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - ذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَصَارَ الْقَطْعُ بَعْضَ الْجَزَاءِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُغَرَّمُ صَاحِبُ سَرِقَةٍ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (٢) ، فَالْحَدِيثُ يَنُصُّ صَرَاحَةً عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ إِذَا قَطَعَ السَّارِقُ. وَمِنْ هُنَا قَالُوا: لاَ يَجْتَمِعُ حَدٌّ وَضَمَانٌ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ بِالضَّمَانِ يَجْعَل الْمَسْرُوقَ مَمْلُوكًا لِلسَّارِقِ، مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الأَْخْذِ، فَلاَ يَجُوزُ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَقْطَعُ أَحَدٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ (٣) .

وَالثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى ضَمَانِ الْمَسْرُوقِ - إِنْ تَلِفَ - بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ مُوسِرًا، مِنْ وَقْتِ السَّرِقَةِ إِلَى وَقْتِ الْقَطْعِ، لأَِنَّ الْيَسَارَ الْمُتَّصِل كَالْمَال الْقَائِمِ بِعَيْنِهِ، فَلاَ تَجْتَمِعُ عَلَى السَّارِقِ عُقُوبَتَانِ. فَإِنْ كَانَ السَّارِقُ مُوسِرًا وَقْتَ السَّرِقَةِ، ثُمَّ أَعْسَرَ بَعْدَهَا، أَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ السَّرِقَةِ، ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَهَا، فَلاَ ضَمَانَ؛ لِئَلاَّ


(١) سورة المائدة / ٣٨.
(٢) حديث: " لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد ". أخرجه النسائي (٨ / ٩٣ - ط المكتبة التجارية) وقال: هذا مرسل، وليس بثابت.
(٣) أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٨٤، فتح القدير ٥ / ٤١٤، وبدائع الصنائع ٧ / ٨٤، والمبسوط ٩ / ١٥٧.