للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ الرَّسُول فَكَذَلِكَ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيل، وَكَيْفَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ لَوْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ نَصًّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ لأَِنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِهِ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا قَبَضَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَقَاسَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِقَبْضِ الْوَكِيل وَرِضَاهُ بِهِ. فَكَذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول: التَّوْكِيل بِمُطْلَقِ الْقَبْضِ يُثْبِتُ لِلْوَكِيل وِلاَيَةَ إِتْمَامِ الْقَبْضِ، كَالتَّوْكِيل بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يُثْبِتُ لِلْوَكِيل وِلاَيَةَ إِتْمَامِهِ، وَتَمَامُ الْقَبْضِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ، وَلاَ تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، فَيَضْمَنُ التَّوْكِيل بِالْقَبْضِ إِنَابَةَ الْوَكِيل مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الرُّؤْيَةِ الْمُسْقِطَةِ لِخِيَارِهِ، وَبِخِلاَفِ الرَّسُول فَإِنَّ الرَّسُول لَيْسَ إِلَيْهِ إِلاَّ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، فَأَمَّا إِتْمَامُ مَا أُرْسِل بِهِ فَلَيْسَ إِلَيْهِ، كَالرَّسُول بِالْعَقْدِ لَيْسَ إِلَيْهِ مِنَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ شَيْءٌ.

وَالدَّلِيل عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ صِفَةَ الرِّسَالَةِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَفَى الْوَكَالَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُل لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} . (١) وَهَذَا بِخِلاَفِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّ بَقَاءَهُ لاَ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ وَالْقَبْضِ، وَلِهَذَا مَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً (٢) . وَلَوْ أَرْسَل إِلَى وَكِيلِهِ رَسُولاً بِعَزْلِهِ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَقَال لَهُ: إِنَّ فُلاَنًا أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَيَقُول: إِنِّي عَزَلْتُكَ عَنِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِل كَائِنًا مَا كَانَ الرَّسُول، عَدْلاً كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ عِبَارَتُهُ مُعْتَبَرَةً، إِنْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لأَِنَّ الرَّسُول قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسِل، مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ عَنْهُ، فَتَصِحُّ سِفَارَتُهُ بَعْدَ


(١) سورة الأنعام / ٦٦
(٢) المبسوط ١٣ / ٧٣ - ٧٤