للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لأَِهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ. قَال: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُل مَا عِنْدَهُ فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لأَِهْلِكَ؟ قَال: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ بَعْدَهُ أَبَدًا (١) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَهَذَا كَانَ فَضِيلَةً فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقُوَّةِ يَقِينِهِ، وَكَمَال إِيمَانِهِ، وَكَانَ أَيْضًا تَاجِرًا ذَا مَكْسَبٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُتَصَدِّقِ أَحَدُ هَذَيْنِ كُرِهَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ. فَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ، وَيَقُول هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى (٢) ؛ وَلأَِنَّ الإِْنْسَانَ إِذَا أَخْرَجَ جَمِيعَ مَالِهِ لاَ يَأْمَنُ فِتْنَةَ الْفَقْرِ، وَشِدَّةَ نِزَاعِ النَّفْسِ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَيَنْدَمُ، فَيَذْهَبُ مَالُهُ، وَيَبْطُل أَجْرُهُ، وَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ (٣) .


(١) حديث عمر - رضي الله عنه - قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق. . . " أخرجه (أبو داود ٢ / ٣١٢ - ٣١٣ ط. استانبول) واللفظ له، (والترمذي ٥ / ٥٧٤ نشر دار الكتب العلمية - بيروت) . وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٢) حديث: " يأتي أحدكم بما يملك " أخرجه أبو داود من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - مرفوعا (سنن أبي داود ٢ / ٣١٠ - ٣١١ ط. استانبول) وفيه عنعنة ابن اسحاق (جامع الأصول في أحاديث الرسول ٦ / ٤٦٥ بتحقيق الرناؤوط)
(٣) المغني لابن قدامة ٣ / ٨٣،٨٤.